في كل عام ينطلق فيه معرض الكتاب تشعر وكأن هناك معركة ستبدأ بين طرفين ، وتساهم بعض وسائل الإعلام في الترويج لهذه المعركة ويبدأ الناس في متابعة أحداث المعرض يوماً بعد يوم وإرسال الأسئلة كل يوم بشأن ماحدث منتظرين بكل شغف من سيكون المنتصر
ومن الخاسر، وأصبح بعض الزوار يقوم بزيارة المعرض لا من أجل شراء الكتب أو الاطلاع على الإصدارات الجديدة بل من أجل متابعة مجريات تلك الأحداث سواء من خلال ما يسمح ببيعه من كتب أو ما يتم منعه أو من خلال مقابلة بعض الشخصيات الثقافية وما يتعرضون له من مواقف أو من خلال متابعة تصرفات بعض الزوار.
مع إطلالة معرض الرياض للكتاب لعام 2014م، وفي أجواء سياسية ساخنة وبمشاركة لأكثر من 90 دار نشر ووكيل من 31 دولة عربية وأجنبية وتحت شعار» الكتاب. قنطرة الحضارة» فإن الأعداد الكبيرة للزوار التي شهدها معرض الكتاب مؤخراً تدل على أن هناك عودة جادة للكتاب وحراك واضح في المجتمع تجاه الثقافة والمعرفة، فتلك الأعداد الغفيرة التي اتجهت للمعرض في الوقت الذي ساهمت فيه التقنية أن تجد كل شيء على حاسبك الآلي إن لم يكن على جوالك الشخصي تؤكد بأن هذا المعرض أصبح تظاهرة سنوية وفعالية من أكبر الفعاليات الثقافية في المملكة، خصوصاً أن دوره تجاوز بيع وشراء الكتب ليصبح مهرجانا ثقافيا يلتقي فيه جميع أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم سواء كانوا مثقفين أو مسؤولين أو طلاب والكل يبدي رأيه ويدلي بصوته بكل شفافية ووضوح.
الجديد في معركة هذا العام أنها كانت معركة سلمية باردة ، خلت من العنف الذي كانت تتعرض له في السنوات الماضية، وانطوت أيام المعرض في سلم وأمان بعيدة عن الخشونة أو الإصابات ولعل سبب ذلك هو تأكيد القائمين على المعرض (حرصهم على مصادرة كل كتاب يخالف العقيدة الإسلامية والثوابت الوطنية وكل ماقد يخل بالأمن وكل ماينطبق عليه بيان وزارة الداخلية الأخير بدون تهاون)، ومن زار المعرض لاحظ بكل وضوح غياب الكثير من الكتب وأسماء المؤلفين والذين تم منعها.
لم يخل المعرض من طرائف وفي مقدمتها محاولات البحث والعثور عن كتابي «كيف تتزوج الثانية بدون مشاكل» وكتاب «أريد زوجة ثانية» واللذان تؤكد وسائل التواصل الاجتماعي من وجودهما في المعرض إلا أن كل محاولات العثور عليهما من قبل بعض الزوار تكللت بالفشل ، مما جعل البعض يعتقد أنهما كتابان من الخيال كما أكدت بعض الزائرات أن لو كان هناك وجود لهذين الكتابين لتم إحراقهم.
ماجعلني أطلق على المعرض وصف المعركة في بداية مقالي وجود عدد من المقالات التي تطرقت للحديث عن نفس الموضوع في سنين ماضية وذلك بعنوان (غزوة معرض الكتاب) الأمر الذي يؤكد الشحن النفسي الموجود لدى البعض وهذا الأمر لا ينحصر في معرض الكتاب بل ويشمل غيره من المناسبات الأخرى مثل مهرجان الجنادرية وغيرها من المناسبات الثقافية الأخرى التي يتم تنظيمها سنوياً.
معارض الكتاب في كل دول العالم هي واجهة حضارية ودعوة للتعرف على الثقافة والتنوع الفكري في إطار التسامح والتعامل الراقي، وعبر العصور نجد بأن المثقفين هم الذين يساهمون بشكل كبير في بناء الحضارات، كل ذلك لا يعني تجاوز الحدود والتعدي على الأسس والثوابت الشرعية من خلال قبول مايطعن في ديننا وعقيدتنا ولكن في نفس الوقت يحتاج منا إلى أن نتعامل مع مثل هذه المخالفات بالحكمة والموعظة الحسنة.
في اعتقادي بأن المنتصر في هذه المعركة هو الكتاب الذي استقطب تلك الجماهير الكبيرة من داخل وخارج المملكة، فالكتاب هو المحور الذي اجتمعت حوله تلك الوفود وهو الأساس الذي اختلفت عليه وجهات النظر وهو الهدف الذي سعى الجميع من أجله وإن اختلفت وسائلهم ، وعلى الرغم من وجود الأخطاء والتي لا تخل منها أعمال البشر إلا أن تلك الحشود الكبيرة على معرض الكتاب تحمل في طياتها دعوة للتفائل كما تحمل أملاً في أن تتواصل تلك الفعاليات طوال العام ولا تبقى مرهونة بفترة إقامة معرض الكتاب.