لا قتال خارج الحدود، لا لرفع الشعارات الحزبية والانتماء للجماعات الدينية والسياسية والفكرية، لا لإحراج الدولة في التعرض لدول أخرى ودعم الفوضى والأعمال الإرهابية سواء بالقول أو بالفعل، لا لرفع الشعارات السياسية الحزبية في تويتر وغيره ولا للتحريض والدعم المالي للأحزاب والتيارات المصنفة بالإرهابية، لاآت تضمنها الأمر الملكي الصادر عن عاهل البلاد في صيغة تشريعية توضح العقوبات
ولها صفة العلو قانوناً وسيبدأ تنفيذها بعد يوم من صدور القرار يوم الاثنين الماضي.
سقط الأخوان المسلمين وغيرهم من أحزاب وتيارات راهنت على تدين المجتمع وحاولت التغلغل في داخله، ليقتلوا شبابه بأمواله، وبعد الأمر الملكي القوي والحازم انتهى وقت المجاملة والملاطفة بين الدولة والمجتمع من جهة والوعاظ الحزبيين من جهة أخرى وبدأ الحساب العسير، ونعلم جميعاً أن كثيراً من الحركيين كان يناكف الدولة وهو مستهتر بقوتها أو متيقن بأنه بستطيع الإفلات من العقوبة فقط لأن لديه جماهيرية وحضور اجتماعي، ولا يعلم هؤلاء بأن قلة غلبها الجهل وأعمتها العاطفة هي وحدها التي تصفق لتحريضهم وتنساق خلف توجهاتهم.
مرّ المجتمع في مراحل متعددة أثّرت في وعيه الديني وأسست لعاطفة تم توجيهها في طريق يخدم أغراضاً سياسية للأسف، بعد أن قامت «الصحوة» بتطرفها وحركيتها، وتبعها عدد كبير من الشباب والمتحمسين بداية الثمانينات، ولكن بدأ يبتعد عن ركبها أعداد ليست قليلة أدركت خطورة طرح منظّريها، وخرج من عباءتها بعد ذلك التكفيريون والدمويون ومن ينظرون للمجتمع كل المجتمع بما فيه الحكومة داراً للكفر وأنهم خلف مشائخهم المحررين الفاتحين لبلاد الحرمين!!
وانقشع غبار الصحوة واستيقظ العقل السعودي النقي بفطرته من سباته، ليستوعب مآسي مرحلة مؤلمة خلفت الكثير من الحزن وعطلت المجتمع وشككته في عقيدته النقية بمزاعم وأفكار استوحاها دعاة تلك المرحلة من القطبيين ومتطرفي الحركات الإسلامية التي تدّعي الجهاد وتستهدف قلب أنظمة الحكم والاستحواذ على السلطة. لم يفهم السعوديون حقيقة الجماعات الإسلامية وأفكارها المتطرفة بسرعة، لكن فهموا لاحقاً بأن هناك ما ينافي حقيقة تدينهم يمارسه هؤلاء الوعاظ، وأن المشائخ الربانيين والعلماء الكبار وعلى رأسهم ابن باز وابن عثيمين يختلفون كثيراً عن نماذج ظهرت بخطاب مسيّس ونتائجها ظهرت من خلال آرائهم وطرحهم وتأليبهم على الدولة، وتحريض الشباب على القتال في صفوف تنظيم القاعدة، الذي تشارك المجتمع مع الحكومة لدحره وتفكيك مفاصله في حرب حقيقية نجحت فيها السعودية بامتياز.
وبعد ما يسمى بالربيع العربي، والذي خلق حالة فوضى في المجتمعات التي أصابها، استغل الإسلاميون الفرصة، لتحقيق غاياتهم وما كانوا يخططون له طوال الأعوام الماضية، من خلال العمل الوعظي أو من خلال ذراعهم العسكري المتمثل في «القاعدة» ومثيلاتها، وخصوصاً هنا في السعودية، كانوا يراهنون على المجتمع الذي استغلوا عاطفته الدينية، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تحريكه أو في خلق فوضى يركبونها، وكانت الحكومة السعودية محيطة بمخططاتهم، ولم تهاجمهم طالما هم في المنطقة الرمادية، وكانت تحاول تهدئتهم وترويضهم بالإقناع والحوار، وأعتقد هؤلاء بأن الدولة ضعيفة ولا تستطيع المساس بهم، وشكك أيضاً البعض في إدراك الحكومة لخطورتهم ولما يحيكونه، لكن في نهاية المطاف وبعد أن تحركوا وحرضوا وأرسلوا شباباً سعوديين للقتال في سوريا وتعدوا كل الخطوط الحمراء في مواقع التواصل الاجتماعي، صدر الأمر الملكي الحازم الذي سوف يوقفهم عند حدهم، ويثبت بأن الدولة غير مستعدة للمزيد من الألم ولا تقبل المزيد من التلاعب بالدين وبمشاعر المواطنين.
وجاء هذا الأمر الملكي ليؤكد أيضاً بأن المجتمع السعودي لا يقبل الإرهاب بكل صوره وأشكاله، ولعلنا شاهدنا تفاعل السعوديين مع ما طرحه الإعلام من مآسٍ تسبب بها وعاظ يتاجرون بالدين ويعبثون بالمشاعر.
كل الحزبيين الذين كشفتهم الأعوام الثلاثة الأخيرة بالتحديد، سيراجعون حساباتهم، وسيتأكدون من الحقيقة التي يحاولون عدم تصديقها بأن المجتمع تغير، وأن مشروع الصحوة المسيس انتهى، وأن زمن الخطب الرنانة والمواقف السياسية الطنانة ذهب إلى غير رجعة، وأن التشكيك المستمر بالمشائخ الكبار وهيئة كبار العلماء عرف الجميع مقاصده الخبيثة وغاياته النتنة، ويجب أن يعلم كل من يجامل هذه التيارات وأعضاءها بأن المجتمع اليوم لا ينظر لهؤلاء بتقدير وأنهم ليسوا أكثر من مجرمين يرتدون الفضيلة وهم أبعد الناس عنها، لم يبق للإخوان في المملكة مساحة يتحركون بها، وكذلك كل من يخون البلد باسم الدين سواء من السنة أو الشيعة يعرف الآن أن الدولة جادة في مواجهة انحرافهم.
المرجو من اللجنة التي ستشكل بموجب الأمر الملكي الكريم لتصنيف الجماعات والتيارات الإرهابية أو المعادية، نشر تقريرها وتحديثاته الدورية إعلامياً ليعرف المجتمع من هم أعداءه.