يوصي المجربون لتفادي أخطاء إقامة أي مشروع بأن يُبدأ فيه من حيث انتهت المشاريع المماثلة؛ وذلك كون من سبق في تنفيذ تلك المشاريع قد حسنوا وعدلوا ما وقعوا فيه من أخطاء، وطوّروا وأضافوا الكثير من الجديد والجيد لنجاح مشروعهم.
وبهذا تكون النهاية قد استُخلص منها ما يمكن تجاوزه في حال إنشاء مشروع جديد، وخصوصاً إذا كان مماثلاً ومشابهاً و(طبقاً للأصل). وهذا ما حدث في تجاربنا التشكيلية الجديدة على ساحتنا؛ فالكثير منها يبدأ كما بدأت تجارب سابقة، وليس من حيث انتهت، وبما يمكن اكتسابه منها من خطوات تجعلنا أقرب وأقصر مسافة نحو النجاح.
صالات يتسابق أصحابها لفتحها وإعدادها تقنياً للعرض دون دراسة لجدوى العرض والطلب، في وقت تفتح فيه صالات أخرى وفي المدينة نفسها والمحيط نفسه أيضاً كفروع لمراكزها الرئيسية المؤسسة سابقاً خارج الوطن، أو تكون وكيلاً لصالات أخرى لها من الشهرة والمكانة العالمية ما يضمن لها تسويق ما يعرض فيها؛ فتبدأ مرحلة انكشاف سوءة بعض الصالات المحلية لعدم وجود الدراسة الكافية أو الجهل بمعرفة (اللعبة)؛ فتنتهي إما بتردي مستوى العرض، أو بالإغلاق (سبق أن نشرنا تقريراً كاملاً عن التجارب الفاشلة لعدد من صالات الفنون).
هذا الأمر ينطبق أيضاً على ما شوهد وتم إنجازه في محافظة جدة، التي - لا شك - لا يمكن الاختلاف على أنها بحق عاصمة الإبداع والسباقة نحو الجديد، والأكثر حراكاً في عدد الصالات أو في أعداد الفنانين ومستوى ما يقدَّم من أساليب حديثة، تستحق (تعظيم السلام) احتراماً لها.
فقد كان هناك خلط في تنظيم مهرجانها الأخير (المزدوج)، ونقص في سبل الإثارة الإعلامية لمحاولة الجذب والاجتذاب؛ إذ لم يتعدَّ الإعلان عن المعارض حدود ما اعتاد عليه أبناء جدة، ولم يكن هناك جديد سوى من وجود زوار نجحت إحدى الجهات باستقطابهم وتعريفهم بقدراتنا الفنية، وهذه أعلى درجات المكاسب مقابل الكثير من الخسائر التي تعنينا نحن المتابعين؛ إذ لم يكن لهاتين المبادرتين أي صدى على مستوى الوطن، ولم يكن لها أي اتساع في رقعة الإعلام والإعلان سوى ما يُنشر في الصحف من أخبار، وبأخطاء أضاعت في كثير من الأحيان حقوق المبادرتَين.
لقد كنتُ أحمل في مخيلتي قبل هبوط الطائرة إلى مطار جدة أنني سأرى الكثير من المعالم التي تشير إلى هذين الحدثين المهمين في الساحة التشكيلية السعودية، من إعلانات تعودنا أن نراها في دبي أو الشارقة عند إقامة فعاليات أرت دبي وبينالي الشارقة وفي أبوظبي لفن أبوظبي، تنتشر في كل زاوية وشارع ومول ومطار، يُشار فيها إلى مواقع المعارض وفترة إقامتها وفعالياتها..
ومع ذلك نعتز بهذا التحرك، ونؤمل بالكثير، فما أُقيم في جدة من معارض لا تقل عما أقامه مَن سبقونا بالتجربة بقدر ما تعد منافساً في كثير من الجوانب الفنية.