تجذَّر في ثقافتنا المحليَّة والعربيَّة أنّ الكتاب يعاني أزمة طلب وأنّ المستثمرين في رحاب ميادينه مستثمرون بالتطوع.. وهو اعتقادٌ نشأ بسبب تقليدية الأداء في سوق الكتاب ورتابته لعقود طويلة!
هذا التحليلُ التاريخيُّ المجتزأُ لسوق الكتاب العربي ومكوناته فوّت علينا محليًّا وعربيًّا الوعي بطبيعة الاستثمار في المنتج الثقافي وتحدِّيات تسويقه، وبدلاً من أن نستوعب هذا الواقع ونعمل على تغييره اختار الجميع المستهلك (القارئ) ليتحمل الوزر دون غيره!
سمعتُ قبل أيام أحدهم في وسيلة إعلام واسعة الانتشار يصف معرض الكتاب الدولي في الرياض بأنّه مكانٌ للترفيه، معتقدًا أن أقل ما يتداول فيه هو المعرفة، وأظن أنّ صاحب هذا القول قد جانب الواقع بالرغم من أنّه ليس ببعيد عن رؤية تقليدية شاملة تحيط بسوق الكتاب بالجملة وليس المعرض وحده!، والحقيقة أن استمرار المعرض وارتفاع مبيعاته ونفاد بعض عناوين كتبه وتسابق الكتّاب والمؤلِّفين على طرح نتاجهم تزامنًا مع توقيته دلائل أنّ المعيار الاقتصادي للكتاب كمنتج هو ضمانة جذب الناشرين الدوليين، والذي لا يجلبون سوى الكتب ولا يملكون من وسائل الترفيه سواها!
معرض الكتاب الدولي بالرياض كشف عن حيويَّة وقوة سوق الكتاب في المملكة وبدَّد وَهَم أزمة الطلب لتتجلَّى حقيقة أزمة العرض، فكما قال أحد الناشرين السعوديين: إن سوق الكتاب في المملكة أحد أكبر الأسواق في العالم العربي، فهو يستوعب 40 في المئة من إنتاج الكتاب العربي، مؤكِّدًا أنّ توفرَ الآليات الحديثة وتعاون الجهات والهيئات ودعمها وتشجيعها له ستضعه في الصدارة!
أخيرًا أتمنَّى ألا يكون معرض الكتاب الذي تَمَّ افتتاحه أمس الأول مُجرَّد 10 أيام أو أسبوعين من الزمان تكتظ أروقته بجياع الثقافة والمعرفة، بل ان يكون معرضًا دائمًا للكتاب الدولي في المملكة وأن يكون مزارًا دائمًا يزخر بالجديد والمفيد، فحين يخلق العرض الجيد يرتقي الطلب معه ويزداد فالثقافة مشروع دائم وليس مؤقتًا!