لم يفعل القوميون الثورجيون في تاريخنا سوءاً كما فعلوا بجعلنا أكثر الأمم إنتاجاً واستهلاكاً للشعارات، حتى لا نكاد نفتقد بريق شعار يخدرنا إلاّ وبادروا بإنتاج العشرات بل والمئات بدلاً عنه!.... ولم يفعل نظراؤهم الحركيون الإسلامويين بنا سوءاً أكثر من جعلنا أمة مرتهنة للنفير العام لو تلقى مخمور في أزقة هولندا صفعة من مخمور آخر فصاح: الله أكبر ... لهبت لنصرته الحواضر والبواد!.. الموغلون في نظرية المؤامرة والتبسيط قد لا يرون في رأيي هذا أكثر من انسلاخ عن العروبة والإسلام، لكن الحقيقة المرة التي نتردّد في الاعتراف بها أننا افتقدنا في زمننا هذا إلى شرف مواقف الدفاع الحقيقية عن العروبة والإسلام من قِبل كثير من المفكرين والعلماء الربانيين، وقد ابتلانا الله بصنفين منهم إما موقدو نار لفراش يتسابق على الاحتراق فيها كلما زاد وهجها، أو مولو أدبار أمام عاطفة الجماهير واندفاعهم للتشدد في الآراء...
ولنا في شواهد الماضي والحاضر القريب أصدق مثال!!
القرارات الملكية التي صدرت قبل أيام لمواجهة الإرهاب والتحريض، لا يمكن أن ينظر إلى إيجابياتها بمعزل عن البعدين المحلي والدولي، فعلى صعيد الداخل تم تبنّي الحوار المفتوح من خلال مؤسسات رسمية وبمشاركة أطياف أهلية متنوّعة، إلا أن الحوار الذي يفتقد إلى قواعد وضوابط وأرضية مشتركة، يتحوّل إلى ميدان مفتوح للصراع، وقد جاءت هذه القرارات لإقصاء التطرف من ميدانه وحماية السلم الأهلي من التصدع وضمان الاستقرار.
في بيئة إقليمية أصبحت مؤهلة للمزيد من محركات العنف، أما على الصعيد الدولي فلا يمكن لبلد كالمملكة العربية السعودية بثقلها الديني والإقليمي أن تتجاهل اختطاف الفكر وتوجيهه من قِبل فئات لا تملك سوى أداة القتل والتدمير!
الحقيقة التاريخية التي لا يمكن أن نتجاهلها، أنّ ما يحدث في منطقتنا اليوم من حروب وثورات وصراعات، تعتبر المحرك الرئيس للتطرف والحاضن لبيئته، ودون أن نفطن لهكذا واقع، فإنه مرشح للمزيد من النمو وبشكل متسارع، ولاشك أن صدور مثل هذه القرارات قد يواجه بعض النقاش والجدل والمبالغة في تقدير الآثار، لكن الجميع سيدرك حين تتكشف حجب المستقبل أنّ وجودها قد حمى الوطن وأبناءه من أتون فتن وأفكار قد تتجاوز آثار تسللها إلينا سقف أسوأ التقديرات!