لم تكد دهشتي تتبدد اثر اطلاعي على رسالة تداولتها مؤخراً مواقع التواصل الاجتماعي تنادي الجميع بعدم الانسياق وراء ما سُمّي بالتصويت لاختيار أفضل قبيلة بالمملكة، والعمل على منع مثل هذه التوجهات المضرة بلُحْمة المجتمع وتماسكه (قبل فوات الأوان) كما جاء بالنداء، الاّ وقد ورد مقطع أكثر ايلاماً يُؤجّج المقت والفرقة بين قبيلتين عربيتين لهما تاريخهما العريق، الرسالة الأولى وصفت ما يتم تداوله في مواقع التواصل بهذا الصدد بأنه: (قنبلة موقوتة خطط لها أعداؤنا للنيل من ترابطنا وتلاحمنا، وهدفهم زعزعة أمننا واستقرارنا وزراعة الأحقاد بين القبائل لتتناحر فيما بينها، وهم على وشك تنفيذ خطتهم المدروسة إن لم نتدارك الوضع الخطير الذي قد يعكّر صفو حياتنا جميعاً، وبعدها لن ينفع الندم)، وسواء كان ناشر الرسالة متيقناً مما يقول أو انه مجرد ناقل لما يسمع، فإنه فيما يبدو قد أصاب إذا ما قيس الأمر بما يمكن ان يقدمه مضمون المقطع المثير للنعرات الجاهلية بين القبيلتين من سلبيات يتلقفها سفهاء القوم (ويثيرونها جذعة) بعد أن خَبَأت نارها واندثرت آثارها القديمة، المقطع يصور شباباً يستقلون سيارة يمرون بقطيع أغنام للقبيلة الأخرى ترعى في احد المرابع، ثم يؤذونها ويرهقونها بالمطاردة بالسيارة، مع عبارات بذيئة وشتم موجّه لهذه القبيلة، ثم يلوذون بالفرار من الموقع، بعدها يترصد لهم فتيان من أصحاب الأغنام للانتقام فيطاردونهم بالسيارة وأولئك يهربون على الأقدام بصورة توحي بمخاطركبيرة على الطرفين، والأهم بما يعقب ذلك من توترات ومشاحنات محتملة لاحقة بين القبيلتين، ومن تكرار المقطع راودتني شكوك انه مفتعل بشكل تمثيلي وانه غير حقيقي، نفذه فتيان بغرض الإثارة وما يعتقدون انه مشهد مضحك تقمصاً لمواقف يمكن ان يكون الرواة قد نسجوها لتصوير أحداث بائدة بين الجانبين، ومهما كان الأمر فإني أرى ان الأمر خطير في كلتا الحالتين (الرسالة والمقطع)، فهما يحملان مؤشرات على نوايا بإيقاد الفتن وشرخ صلابة التلاحم المجتمعي وخلخلة تماسكه، كما أرى انه بات من الضروري سن النظم (إن لم تكن قد سُنّت) التي من شأنها التصدي لهذا التسلي (العابث) على حساب القيم والشمائل القبلية الحميدة، ولنبذ كل ما يمكن ان يُفرّق اجتماع الأمة من ضروب التنابز والعنصرية المقيتة، وكل ما يبعث على الشحناء والفئوية والطائفية والمناطقية، والرفع من مستويات القيم والتخالق الحسن بين شائح المجتمع، والعمل الجاد من كل الجهات المعنية المختصة بزرع هذه المفاهيم الراقية بين النشء، مع اقتلاع كل رواسب اجتماعية بالية من عقولهم في سعي اكيد لتنقية النفوس والضمائر من شوائب عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لعصر التسابق والتفاخر بالمنجزات الحضارية في ظل الثورات التقنية الالكترونية الصناعية، فأيما أمة أو مجتمع قنع واكتفى باجترار مقومات قبلية بُنيت على أساطير قديمة فإنه يضيق على نفسه مساحة التقدم نحو الأفضل في ميادين العلم والتقدم الحديث الذي هو مطلب الشعوب والمجتمعات الحديثة الناهضة التي تجاوزت المفاهيم العتيقة وإن لم تتنكر لانتمائها القبلي كحق مشروع، أعود لأقول: إنه قد حان الوقت الذي يجب ان يتجه فيه شباب مملكة الإنسانية للتسابق في ميادين الحضارة وتجنب معوقاتها.