لسبب خارج عن رغبته لم يكمل من التعليم سوى شهادة الكفاءة المتوسطة، وغيره كثير مرّوا بظروف إعاقتهم عن مواصلة مسيرة التعليم وربما عوّضهم الله خيراً في أسباب الحياة العملية والتكسب للرزق، هذا الرجل حصل على وظيفة ادارية حسب مؤهله الدراسي، ولعله لم يكن مقتنعاً بهذا المستوى في مقابل ما كان له من طموحات سابقة، مما انعكس على ادائه الوظيفي، فلم يكن ذلكم الموظف المطيع ولا الجاد ولا المبدع المثابر ولا الملتزم بأوقات الحضور والانصراف، طموحه وشعوره بالفراغ النفسي الاجتماعي دفعه للالتحاق بأي دورة تدريبية، ثم سنحت له الفرصة للدراسة بإحدى المدارس الثانوية بنظام الانتساب وهو (على رأس العمل) كما يقال، لم يجلس يوماً على مقاعد الدراسة وتدرّج حتى تحقق له اجتياز الاختبارات بأي تقدير، المهم أنه ضمن الناجحين، هنا اتسعت آماله لملء الفراغ الذي عانى منه طويلاً، فجاهد لأن يكون مدير مكتب أو قسم أو مديراً لأي شيء، نفسه تقوده باتجاه لا يعرف له تفسيراً أو مبرراً، ساعدته مدة خدمته ومتانة علاقاته برؤسائه على تحقيق هذا الهدف الذي قال عنه العملاق المجرب غازي القصيبي يوماً مداعباً مدير مكتبه (كاد المدير ان يكون وزيراً)، وما أن أعلن المدير العام أنه (مدير) حتى ظهرت بوادر العنتريات الإدارية والتسلط النظامي المشوب بالتعويض والانتقام من كل الظروف التي مر بها وكأن الناس مسؤولون عنها، هنا تظهر مساوئ هذا الصنف من التعليم الذي لا يقدم لصاحبه أي قدر من المعرفة والتحصيل العلمي النافع، فقد قفز بصاحبه إلى كرسي الإدارة ليرأس من هم أعلم منه وأدرى وأكثر مخزوناً علمياً، وبدلاً من تعيين صاحب فكر ودراية متخصص تم جلب عنصر إعاقة للعمل ومكرّس للروتين المقيت، وما يسمى البيروقراطية في مجالات الادارة، ومن سلبيات بعض الأنظمة الإدارية المتبعة أنها تعطي هذا الموظف مميزات تساوي - وقد تفوق - غيره ممن أفنوا شبابهم علماً وتحصيلاً جامعياً متخصصاً كان هدفه الأساس إحلالهم في الوظائف التي تطلبها مرحلة التطوير الشاملة التي تعيشها مملكتنا الفتية ليقدموا خلاصة علمهم وفكرهم خدمة لبلادهم ومجتمعهم في اطار من تحديث وتطوير يمتد بإذن الله لتكمله اجيال قادمة ناهضة تحقق آمال القيادة الحكيمة والحكومة الرشيدة لصالح البلاد والعباد، غير ان ما يحدث من صور (قدمت نموذجاً لها) لا يخدم بحال من الأحوال الأهداف المنشودة، والحديث ذاته (باستثناء القلّة) يشمل أعاداً من الموظفين ممن التحقوا ببرامج دراسية جامعية عن بعد، يدفعون الرسوم ويتقدمون للاختبارات ويكون تحصيلهم متدنياً، وبالتالي لا يقدمون أثناء الوظيفة (في أي قطاع) المأمول منهم كجامعيين متخصصين، ويكتشف المسؤول أنهم باتوا عبئاً على مؤسسته أو ادارته، والغريب أن (بعض) المسؤولين يتخلصون منهم بمزيد من الدورات والبعثات بحجة تطويرهم في الظاهر، ثم يصرّحون بأن الهدف إراحة الرأس من صداعهم، وكل هذا يتم على حساب الموظف المتخصص المبدع الذي يقول عنه هؤلاء المديرون أن مثله لا يمكن الاستغناء عنه فكيف نوافق على منحه دورات أو بعثات؟! وحين يجتاز المتبلّد الدورات أو يعود من بعثة دراسية لا بد أن يسعى للترقي ليكون بالتالي (مديراً).