مشكلة فلسطين يكثر الحديث عنها، كما يكثر الحديث عن الحلول المطروحة لها والقضية الفلسطينية هي قضية المخلصين من أُمَّتنا؛ عرباً ومسلمين.. وهناك من العرب والمسلمين؛ بل ومن الفلسطينيين أنفسهم، من يتاجرون بالحديث عنها،
وربما وُجِد منهم من هم على استعداد لبيعها؛ مثلهم مثل فاقدي الذِّمم من شعوب أخرى.
وفي طليعة المخلصين للقضية الفلسطينية قادة وطننا العزيز؛ ابتداءً بقائد توحيد هذا الوطن ومؤسس قواعد نهضته، الملك عبدالعزيز، رحمه الله رحمة واسعة، واستمراراً مع الملوك الكرام من أبنائه. ويكفي من يريد مختصراً عما قام به ذلك المُوحِّد والمؤسس العظيم تجاه تلك القضية أن يقرأ ما كتبه الشاعر المؤرخ خير الدين الزركلي، رحمه الله، في كتابه: شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز وما قام به أبناؤه الملوك من جهود نبيلة تجاه القضية الفلسطينية معروف كُلَّ المعرفة، ومُقدَّر حَقَّ التقدير. ومن لا يعترف بتلك الجهود فإنه كاتم للشهادة. وإذا كان غير المعترف من المسؤولين الفلسطينيين فالأمر أَدهى و أَمرُّ.
على أن الكلام، في هذه الأيام، كثر عن حلول بين الصهاينة وقادة من الفلسطينيين من جهة وبين الفلسطينيين أنفسهم من جهة أخرى. ولقد تَمَّ لقاء مباشر بين قادة من فتح وقادة من حماس دون وسيط عربي.. وكانت هناك اتِّفاقات بين هؤلاء وأولئك بوساطات عربية؛ لكنها انتقضت سريعاً. ومن المُرجَّح أن قادة الحركتين قد أدركوا خطر استمرار الوضع على ما هو عليه، فمالوا إلى الاجتماع المباشر دون وسيط رغم ما كان بين الطرفين من ملاسنات بذيئة في أحيان كثيرة. والأمل ضعيف أن لا يكون « تحت الوَبَر دَبَر».
قبل أربع سنوات اختيرت القدس عاصمة للثقافة العربية. فكتبت مقالة عنوانها: «أهو التكريم أو التوديع للقدس؟» ومما ذكرته في تلك المقالة أن من المسائل المُهمَّة بالنسبة لحل المشكلة الفلسطينية الانسحاب الصهيوني من الأراضي المُحتَّلة عام 1967م -وهذا أدنى ما يطالب به الضعيف المعترف بشرعية احتلال الصهاينة لما قبل ذلك العام من فلسطين، وإن كان خروجاً على إرادة أُمَّتنا، شعوباً وقادة كانت لهم مواقفهم المحمودة، التي كان آخرها ما تَقرَّر في مؤتمر الخرطوم المشهور-، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم؛ وهو حَقٌّ أَقرَّته الأمم المتحدة، وعدم الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية.. وقلت: لا أظن أن قادة السلطة الفلسطينية سيستمسكون بما أعلنوا استمساكهم به. ذلك أن ما مضى من تاريخهم؛ ابتداء من اتِّفاقية أوسلو، لا يبعث الأمل في ثبات موقفهم.
وما دام الحديث عن حلول لمشكلة فلسطين فَلعلَّ من المستحسن إيراد ما طرحه الحاخام مايكل ليرنر من حَلٍّ للمشكلة.. ومن بنود ذلك الحَلِّ:
- تفتح إسرائيل حدودها مع قطاع غزة، وتسمح بالانتقال الحر من إسرائيل وإليها مع حق التفتيش بحثاً عن أسلحة فقط، وتسمح بدخول الأغذية والوقود والكهرباء والمياه والغاز والبضائع الاستهلاكية ونقلها بكل الطرق؛ برّاً وبحراً وجوّاً.
- تُفرج إسرائيل عن كل المعتقلين الفلسطينيين في سجونها، وتسمح لهم بالعودة إلى الضفة أو غزة حسب اختيارهم مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط وأيِّ محتجزين آخرين.
- يدعو الطرفان قوة دولية لمراقبة تطبيق هذا الاتِّفاق.
- يسري وقف إطلاق النار لمدة عشرين عاماً، على أن تُفرَض عقوبات صارمة في حالة مخالفته.
وإضافة إلى ما سبق يقول الحاخام ليرنر:
- يَتعيَّن على إسرائيل -باعتبارها القوة العسكرية المُتفوِّقة- أن تبدأ الخطوات الأولى بأن تُطبِّق خطة شبيهة بمشروع مارشال في غزة والضفة لإنهاء الفقر والبطالة وإعادة بناء البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار، وتفكيك المستوطنات أو جعل المستوطنين مواطنين في الدولة الفلسطينية.
- السماح بعودة ثلاثين ألف فلسطيني سنويّاً إلى إسرائيل لمدة الثلاثين عاماً القادمة وأن تعتذر إسرائيل عن دورها في طرد هؤلاء عام 1948م.
- تعرض إسرائيل تنسيق الجهود الدولية للتعويض عن خسائر الفلسطينيين خلال فترة الاحتلال.
ذلك هو ما رآه الحاخام. ومع أنه لم يشر إلى القدس بالذات فإن المتفائل قد يفهم من كلامه أنه يرى القدس الشرقية بالذات ضمن ما يجرى على ما احتَّله الصهاينة عام 1967م.. ومن الواضح أن في مجمل ما رآه جوانب إيجابية يمكن أن يَتبنَّاها الجانب الفلسطيني العربي.