كان حديثي في الأسبوع الماضي حول الديمقراطية، وتطبيق زعماء الغرب ما فيها من جوانب إيجابية في داخل بلدانهم. لكنهم لا يُطبِّقونها في البلدان التي لهم نفوذ عليها. بل إنهم يقفون ضدها.
أما حديثي اليوم فهو عن الإرهاب. ومضمون هذا الحديث سبق أن ألقيته في مؤتمر عن الإرهاب عُقِد بجامعة الحسين بن طلال في الأردن عام 1429هـ. ثم نُشِر ضمن كتابي: تَأمُّلات في التاريخ والفكر، الذي قام بنشره مشكوراً النادي الأدبي في الرياض.
وكان مما ورد في حديثي أن الإرهاب - كما يَتحدَّث عنه الكثيرون الآن - ظلم كبير، والظلم حَرَّمه الله - سبحانه - على نفسه وجعله مُحَّرماً بين الناس. ومن يتأمَّل التاريخ يجد أن من هَذَّب الإسلام نفوسهم ضربوا أمثلة رائعة في التعامل مع الآخرين. وفي العصر الحديث يجد المرء أن قادة الغربيين تَملَّكت نفوس أكثرهم نظرة الاستعلاء تجاه الآخرين بحيث اتَّصفت معاملتهم للشعوب الأخرى كما لو أنهم ليسوا بشراً.
وأصل كلمة « الإرهاب» لغويّاً: إدخال الرهَبَّة في نفوس الأعداء. ومن ذلك قول الله - سبحانه - في كتابه المبين: {لأَنتُم أَشَدُّ رَهبَةً في صُدُورِهِم مِن اللّه}، وقوله : {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ الله وَعَدُوّكُمْ}.
على أن اللغة؛ مثل كُلِّ كائن اجتماعي حَيٍّ تكتسب مفرداتها معاني جديدة يمليها تَطوُّر الواقع الاجتماعي بأبعاده المختلفة. لذلك أصبحت كلمة «الإرهاب» مصطلحاً يختلف المراد به وَفْق مفهوم من يطلقه أو - بالأصح - وَفْق إرادته من إطلاقه. وليس أمام الضعيف إلا أن يسايره اقتنع أو لم يقتنع.
عندما هَبَّت شعوب ضد قوات المستعمرين لبلدانها سَمَّى المستعمرون هَبَّات تلك الشعوب «إرهاباً». تَجلَّى ذلك في قضية الجزائر؛ إذ كان المستعمر الفرنسي يُسمِّي كفاح الجزائريين لنيل استقلالهم «إرهاباً». وعندما هَبَّ من هَبَّ من العراقيين ضد الاحتلال الأمريكي لبلادهم؛ وهو الاحتلال الذي كان من نتائجه تسليم العراق للنظام الإيراني ليُنفِّذ فيها ما يريد، سَمَّت الإدارة الأمريكية هَبَّة العراقيين «إرهاباً». لكن عندما هَبَّ من هَبَّ من الشعب الأفغاني ضد قوات الاحتلال السوفيتي لبلادهم وسَمَّوا هَبَّتهم «جهاداً» تَبنَّت تلك الإدارة هذا الاسم، بل إن كلمة «جهاد» دخلت قواميس لغات الدول الغربية.
والإرهاب؛ الذي هو ظُلم كبير، أمر ترفضه الشرائع السماوية، كما ترفضه القوانين الدولية، وتشمئز منه العقول السليمة. لكن يجب أن تشمل تلك الإدانة، وذلك الرفض، وهذا الاشمئزاز، كل أنواع «الإرهاب»؛ سواء ارتكبه فرد أو جماعة أو دولة، بل إن إرهاب الدولة هو الأشد خطراً. والإرهاب ليس خاصاً بالمعتنقين لدين دون آخر، ولا بالمنتسبين إلى أُمَّة دون أخرى.
على أن هيمنة القَويِّ في مختلف المجالات - وبينها الإعلام - جعلت الذهن الآن ينصرف - إذا أطلقت كلمة «الإرهاب» - إلى المسلمين وحدهم؛ صراحة حيناً، وتضميناً حيناً آخر مع أن من المعروف أن هناك عشرات من المنظمات الإرهابية في أمريكا مثلاً.
ومن المعروف أن وسيلة ارتكاب «الإرهاب» قد تكون استخدام عنف تختلف صور بشاعته وأبعاد تدميره لتحقيق هدف سياسي أو اقتصادي، أو تكون إجراءً اقتصاديّاً يَتجلَّى بتجويع شعب من الشعوب. ولقد اتَّضح هذا أكثر ما اتَّضح بما يرتكبه الكيان الصهيوني والمتصهينون في أمريكا.
على أن أَشدَّ ما يدمي القلوب ألماً وحزناً هو أن يوجد من زعماء أُمَّتنا من هم يرتكبون «الإرهاب» بوسيلة العنف المُتَّضحة بالتفصيل بأبشع الصور والتدمير بأفظع الوجوه ضد الشعب المبتلى بحكمهم كما هو مرتكب بأيدي المُتحكِّمين في سوريا الآن.
حَقَّق الله النصر على أعدائها من خارجها وداخلها، وكشف عنها جميع ويلاتها.