عندما خرق الرئيس أنور السادات السفينة باتِّفاقية كامب ديفيد شعرت بأن أُمَّتنا ضُرِبت ضربة شديدة. ذلك أن تلك الاتِّفاقية أخرجت مصر العظيمة بكل إمكانياتها عن ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني. ولهذا لم يكن غريباً أن قال أحد أركان ذلك الكيان:
إن نجاح قومه في تحقيق الاتِّفاقية لا يقلُّ أَهمِّية عن إقامة دولتهم على أرض فلسطين عام 1948م.
ومن وحي ذلك - إضافة إلى أمور أخرى - كتبت قصيدة عنوانها: «لا تسلْني»، ومُستهلُّها:
هكذا دارت دواليب الفَلَك
واختفى النور بأستار الحَلَكْ
والمُنى الخضر التي رَفَّت على
شَفَةُ الأمس بها الدهر فتكْ
أيها الساري وأشواك الرَّدى
ملأت كل طريقٍ قد سلك
لا تسلْني عن خفايا ألمي
إنما آلمني ما آلمك
الرُّؤى السوداء قَسْمٌ بيننا
والأَسى المُرُّ غذاء مشترك
والأحاسيس التي تغتالني
جُرِّدت أسيافها كيف تقتلك
ومنها:
كلُّ ما حولي طلاء زائفٌ
لدماء الطهر والصدق سفك
لبس العاصي جلابيب التُّقى
وبدا الشيطان في زِيِّ مَلَك
وكان ختامها:
لا تسلْني أيها الساري ففي
عارضي تبدو جراح المعترك
لا تسلْني أين أخطو. آن لي
في متاهاتِ السُّرى أن أسألك
إن تكن تبصر ومضاً خافقاً
في جبين الأفْق فاحملني معك
ما آلت إليه أمور أُمَّتنا بعد تلك الاتِّفاقية كان مما شَجَّع الصهاينة على اجتياح لبنان عام 1982م، والمشاركة بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا؛ وذلك بتسليح من ارتكبوها وحمايتهم. وتوالت النكبات والويلات؛ واحدة بعد أخرى. ومن أعظمها الحرب بين العراق وإيران، التي أفنت من أفنت ودمَّرت ما دمَّرت. ثم تلتها نكبة احتلال جيش صدام للكويت، الذي نتج عنه تحطيم الجيش العراقي، وتعميق القبلية والإقليمية في ربوع أُمَّتنا؛ وبخاصة في شبه جزيرة العرب.
وبعد عشر سنوات من تلك النكبة جاء غزو أمريكا لأفغانستان واحتلالها مع من تعاون معها حيث ارتكبت - وما زالت ترتكب - مجازر مُتنوِّعة. على أن ذلك الغزو جاء وكأنه تمهيد لغزو العراق، الذي ارتكبته كل من أمريكا وبريطانيا. ونتيجة لهذا الغزو الإجرامي سُلِّمت العراق؛ حقيقة، للزعامة الإيرانية، وعمل بريمر، الحاكم بأمره في العراق المُحتلَّة، قانوناً قائماً على الطائفية والعرقية.
وكان هناك من يلومني على كتابتي التي توضح جرائم أمريكا ضد أُمَّتنا. فكتبت قصيدة مشيراً إلى أنه:
لا ترى عيناه ما ارتكبت
من صنوفِ البطشِ و السَّلَبِ
دَولةٌ سَاداتُها جَعَلوا
ذُلَّنا نَوعاً من الطَّربِ
وإذا لِيمتْ على صَلَفٍ
ثَار بركاناً من الغَضَبِ
يا زَماناً بات مُمطرُه
إذ هَمَى نَهْراً من العَجَبِ
كَيفَ لا يَبدو لِناظرِه
ما بدا من جُرْمِ مُغتصِبِ !
سُلِّمت بَغدادُ في طَبَقٍ
- لعُلوجِ الحِقْدِ - من ذَهبِ
وتَلظَّى في مَرابِعِها
مُستطيرُ الرُّعبِ من لَهبِ
وجَنَتْ صهيونُ ما حَلَمتْ
فِيه من مُستَعذَبِ الأَرَبِ
أوضاع أُمَّتنا التي أشعرتني بما أشعرتني به عندما كتبت القصيدة التي أوردت بعضاً من أبياتها في أول هذه المقالة لم تصل كارثتها إلى ما وصلت إليه الآن حيث تأتي في طليعة النكبات قضية سوريا المنكوبة. وهذا ما سأتناوله بالحديث في الأسبوع القادم إن شاء الله.