العراقيون على موعد قريب في الأسبوع الأخير من شهر أبريل، نيسان القادم مع انتخابات حاسمة ومصيرية في تاريخهم الحديث، انتخابات قد يمكن وصفها بالعلامة الفارقة التي ستحدد مستقبل العراق
ووحدة كل أطيافه ونسيجه السياسي والاجتماعي. ما يميز الانتخابات العراقية القادمة أن رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي يبدو أنه سيفعل كل ما بوسعه لنيل ولاية ثالثة مع استعداده لخلط كل الأوراق المسموح بها وغير المسموح بها لتحقيق مأربه. وتظهر رغبته في تحقيق أهدافه للفوز بفترة رئاسية ثالثة واضحة من استدعائه للتاريخ في حملته العسكرية ضد محافظة الأنبار، ومن طلبه للمساعدة الدولية لمحاربة الإرهاب وكأنها خلطة تشبه المقولة «سمك، لبن، تمر هندي»، وتعني العشوائية أو قمة الفوضى. تولى السيد المالكي رئاسة الوزراء في العراق مرتين الأولى في مايو 2006، والثانية في نوفمبر2010، ما يقارب سبع سنوات، ولن يكون المرء مبالغاً بوصفها بالعجاف، لم يرَ فيها الشعب العراقي سوى تردي مخيف في كل شئون حياته وخوف ورعب وانفلات أمني لا يبدو أن هناك بصيص أمل في وضع حد له. ومن أجل الفوز بولايته الثالثة أدخل السيد المالكي العراق في المزيد من الفوضى بشن حملته العسكرية ضد محافظة الأنبار التي وصفها بنفسه بأنها معركة بين أنصار الحسين رضي الله عنه وأتباع يزيد، وسماها بنفسه أيضا معركة الرمادي ومعركة الفلوجة، ليظن من يستمع إليه بأنها معارك ضد مناطق أجنبية لا تدخل في نطاق سيادة الدولة العراقية.
حربه على محافظة الأنبار تفرز على مدار الساعة مآسي مفزعة لم تسلم منها حتى المستشفيات وبحصار أدى إلى هجرات جماعية لأهالي محافظة الأنبار عن طريق مخرج واحد أتيح لهم في اتجاه محافظة كربلاء، وتتحدث تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» عن أن الحملة العسكرية على الأنبار أسفرت عن تهجير أكثر من 40 ألف طفل والعدد في تزايد. اعتصام الأنبار كان سلمياً وكان قابلاً للحل السلمي وكانت مطالب المعتصمين المكونة من ثلاثة عشر مطلباً قابلة للتفاوض خصوصا المطالب التي تهم كافة أطياف الشعب العراقي وهي المطلب رقم 8 في عريضة الذين اعتصموا والذي يطالب بإعادة التحقيق في القضايا التي تخص الرموز الدينية والوطنية داخل وخارج العراق أمام جهات قضائية محايدة بعيدة عن التأثير السياسي. والمطلب رقم 9 الذي يدعو إلى تجريم استخدام العبارات والشعارات الطائفية في مؤسسات الدولة وبخاصة الأمنية.
ولعل أهم مطالب المعتصمين هو المطلب رقم 10 والخاص بإجراء تعداد شامل للسكان قبل إجراء الانتخابات. الغريب في الأمر أن السيد المالكي أكد بعد مقابلته لمحافظ الأنبار السيد أحمد خلف الديلمي بأن أغلب مطالب أهل الأنبار مشروعة، ليؤكد المحافظ بدوره بأن رئيس الوزراء على استعداد لتلبية كافة الحاجات والمطالب.
وبعد كل هذه التأكيدات تشُن حملة عسكرية على المحافظة، السؤال هنا ماذا حدث ليغير السيد المالكي موقفه في ما يخص المعتصمين في الأنبار بهذه السرعة والدراماتيكية؟ الجواب ليس بالصعب فالسيد المالكي بدأ واضحاً بأنه تلقى رسالة للتصعيد في الأنبار من طهران وراقت الرسالة له، فهو سوف يرضي طهران بتخفيف الضغط الدولي على دمشق مع بدء محادثات جنيف2 بشن حرب مختلقة ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» داعش»، والذي هناك العديد من الألغاز حوله ولا يستبعد أبدا أن يكون تم اختراقه من قبل الاستخبارات الإيرانية بتنسيق مع كل من بغداد ودمشق، وعلاوة على إرضاء لطهران فهو أيضا يظن بأن حملته سوف ترضي ناخبيه من الشيعة وتضمن له انتخابهم له لفترة ثالثة وهو من يبني كل حساباته على الورقة الطائفية ثم يتهم الآخرين بها ويجد من يسوق له في هذا المجال وكما جاء في مقابلة مع مذيع الخدمة الدولية لهيئة الإذاعة البريطانية البي، بي، سي ستفين سوكر في برنامجه «هارد توك»، مع الدكتور حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشئون الطاقة الذي صرح خلال اللقاء بأن على الشعب العراقي في الانتخابات القادمة أن يختار بين حكومة طائفية أو حكومة للجميع. كلمة حق أريد بها باطل ما صرح به الدكتور الشهرستاني، والحق هنا أن الطائفية هي سبب كل المشاكل التي يعاني منها العراق، والباطل الجلي الذي لا غبار عليه هو أن من يسعى بشتى الوسائل لنيل ولاية ثالثة هو الطائفي بامتياز.
على كل حال، تؤكد الأحداث في الأنبار بأن خلطة السيد المالكي المعدة في طهران، هي خلطة فاشلة لن تؤدي إلا إلى المزيد من المعاناة للشعب العراقي بكل طوائفه وتزجه في دوامة لا تعرف نهاية ولا ضوء في نهاية النفق الشديد العتمة.
المفارقة هنا أن الانتخابات العراقية القادمة سوف تُجرى في شهر إبريل، نيسان القادم، ومعنى كلمة نيسان مشتق من كلمة» نيسانو» باللغة البابلية وتعني البدء والتحرك أو الشروع بالشيء، والمؤمل هنا أن يتناسى العراقيون انتماءاتهم الطائفية ويبدأوا بالشروع في تغيير واقعهم بعيداً عن المصالح الطائفية الضيقة التي أثبتت التجربة تلو الأخرى فشلها الذريع.