كان اللقاء في مدينة العين الإماراتية مع مجموعة من الشباب العماني الزائر لهذه المدينة الرائعة على أطراف صحراء الربع الخالي، مدينة تستحق بجدارة أن يطلق عليها اسم عروس الصحراء، تتمتع بكل مقومات المدينة العصرية، بمستوي عال من النظافة والهدوء لا تخطئهما العين.
وتطرق الحديث مع الشباب العماني الذي يتسم حقاً بخلق رفيع ومستوي ثقافي مميز إلى هموم المنطقة الخليجية ومستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأكثر ما لفت النظر في النقاشات التي دارت مع الشباب العُماني موضوعين أولهما يخص إغلاق الممر الموصل بين كل من مدينة العين الإماراتية وبين مدينة البريمي العمانية منذ أكثر من خمس سنوات، حيث كان سكان المدينتين يتنقلون بحرية تامة بينهما وبدون حواجز حدودية، مما أجبر المتنقلين بين الجانبين العماني والإماراتي إلى استخدام معبر هيلي الحدودي. الموضوع الآخر الذي تطرق له الإخوة العمانيون وكان بادئاً استيائهم وانزعاجهم الشديدين منه هو اللقاء الذي أجراه الأستاذ عبدالله المديفر في برنامجه حديث الجمعة الذي يبث على كل من قناة الرسالة وقناة روتانا خليجية مع فضيلة مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي. لم يكن من الصعوبة فهم القلق بخصوص إغلاق النقطة الموصلة بين كل من العين والبريمي إذا عرفنا بأن هناك علاقات قربى وتزاوج عبر السنيين بين القاطنين في المدينتين. بيد أن الذي لم يكن واضحاً هو الأسباب من وراء التذمر لما بث في لقاء الجمعة مع فضيلة الشيخ أحمد الخليلي، مفتي سلطنة عُمان، حيث إن الأخوة الذين دار معهم الحديث الأخوي لم يتطرقوا تحديداً عن ماهية الأسباب التي كانت من وراء انزعاجهم. فكان لازماً العودة للحلقة التي أزعجت الشباب العماني. وبعد مشاهدة الحلقة كاملة، قد يستطيع المرء أن يجد تفسيراً لما قد يكون السبب أو الأسباب الداعية لاستياء من دار معهم النقاش من شباب سلطنة عمان. ولعل المفارقة الغريبة التي لا بد من ذكرها قبل الخوص في أعماق ما جاء في الحلقة هو أن عنوانها كان «مفهوم الإسلام للوحدة»، ولعل ما يجعل من عنوان الحلقة مفارقة هو عطفها على ما صرح به معالي الأستاذ يوسف بن علوي عبدالله، الوزير المسؤول عن الشئون الخارجية بسلطنة عُمان في منتدى حوار المنامة، والذي جاء فيه بأن عُمان سوف تنسحب من منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إذا تم الاتفاق على تحويله إلى اتحاد. ما جعل تصريح معالي الوزير العُماني مثيراً للدهشة والاستغراب هو عدم تركه مساحة للتفاوض أو الحوار لمناقشة تحويل المجلس للاتحاد، مما قد يفسره البعض بأنه بسبب استياء عُماني لم تتضح حتى الآن بواعثه. وعوداً لحلقة حديث الجمعة فقد أكد الشيخ الخليلي على ضرورة الوحدة وبأن الله عز وجل أمر بالوحدة، وقالبهذا الخصوص ما نصه «أمر عباده بالاتحاد وحذرهم من التفرق كما حذرهم من الكفر» وكلام فضيلة الشيخ الخليلي حفظه الله واضح وجلي، لا تأويل فيه فيما يخص ضرورة الاتحاد، وأضاف قائلاً بأن الدين يؤلف ولا ينفر وحث في رأي يحسب له بأن علماء الأمة إذا اجتمعوا سيجدون بأن الأمور المتفقة فيما بينهم كثيرة، انطلاقا من ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية، وضرب مثالا للاتفاق بالتصديق بأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة، مع خلاف في الركن الأخير المتعلق بالقضاء والقدر. ووجه سماحته اللوم لعلماء الأمة لعدم تقريبهم بين المذاهب. وفي التعمق في الحوار الذي دار مع سماحته يتضح رويداً رويداً سبب القلق الذي أبداه الإخوة العمانيون عندما بدأ مقدم البرنامج طرح العديد من التساؤلات عن مذهب الأباضية، المذهب الرسمي لسلطنة عُمان. ومنها هل مذهب الأباضية يعتبر مذهبا سنيا أو شيعيا، فأجاب فضيلة الشيخ بأن الأباضية هم من أهل السنة يتفقون ويختلفون معهم، وبأنهم لا يقولون بعصمة آل البيت رضي الله عنهم، وهم مع ذلك لا يتفقون مع قول السنة بأن الإمامة محصورة فقط في قريش. وإجابة على تساؤلات أخرى صرح فضيلة الشيخ بأن الأباضية تعتقد بخلق القرآن وتنكر رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة، وتكفر مرتكب الكبيرة إذا أصر عليها. ووضح فضيلة الشيخ الخليلي بأن المذهب الإباضي يتميز بأنه لا يلغي العقل وهو أيضا لا يلغي النقل. وتطرق الحديث الشيق بين فضيلة الشيخ الوقور والمحاور المتمكن إلى موضوع يتعلق بدخول شهر رمضان ودخول عيد الفطر، وتساءل المحاور عن السبب الذي يجعل سلطنة عُمان تخالف المملكة باستمرار في إعلان دخولهما، فرد الشيخ الخليلي بأن ليس هناك سبب غير سبب الرؤيا وهي أمر منصوص عليه. ورداً على سؤال عن وجود مرجعية لشيعة عمان وبأن ذلك غير متاح لسنتها مع التأكيد من قبل المحاور بأن عمان تعيش انسجاما كاملا بين جميع طوائف النسيج العُماني، أجاب فضيلة الشيخ بأن معتنقي المذهب الأباضي يشكلون نحو 75% من السكان ونسبة 2% من الشيعة والباقيين سنة، والجميع لهم مرجعيتهم وأوقافهم. بعد ذلك يصل الحوار إلى النقطة التي تكاد تكون السبب من وراء انزعاج الإخوة العُمانيون وهي تساؤل مذيع الحلقة عن حقيقة ربط مذهب الأباضية بالسحر وحركة الخوارج. فكان جواب فضيلة الشيخ الخليلي جلياً وواضحاً فالساحر كافر وحده القتل، والخوارج حركة مشركة. ولعل هذان التساؤلان كان ورء عدم الرضى العُماني في مغزى قطعاً غير مقصود لم يكن الهدف منه تعزيز صور نمطية خاطئة عن مذهب سلطنة عمان الشقيقة. وأخيرا تساءل المحاور وبطريقة قد يجد من ينتقده عليها وخصوصاً قوله «ليس لهم حس»، قاصداً العُمانيون، وعن سبب ابتعاد العُمانيون عن المشهد الثقافي والسياسي للمنطقة، فرد فضيلة الشيخ بأن وصف العمانيون بالمسالمين ليس لا يعيبهم وهو من الأمور التي يدعو إليها المذهب الأباضي.
حقاً، وإجمالا، فلقد كان حواراً شيقاً خصوصاً وسماحة الشيخ أحمد الجليلي كان يستشهد بالقرآن الكريم بذاكرة حافظة واعية وصوت أجش، ولعل مقدم البرنامج الأستاذ عبدالله المديفر سيقدم حلقة أخرى مع فضيلة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان الشقيقة ليتصالح مع مشاهديه هناك، على الأقل الشريحة الطيبة من الشباب العُماني الذين كانوا متواجدين في عروس الصحراء الإماراتية مدينة العين.
وتبقى حقيقة لا يختلف عليها اثنان بأن سلطنة عُمان جزء لا يتجزأ من المنظومة الخليجية، والإخوان الأشقاء مختلفين في صفاتهم وليس مطلوب منا بأن نكون نسخة طبق الأصل من بعضنا، ولو حدث هذا لما كان لحياتنا الدنيا الكثير من المعاني.