لم يكن غريباً ولا مفاجئاً على الإطلاق تصريح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ في فعاليات منتدى المنامة الذي عقد مؤخراً بمملكة البحرين بأن سوريا تواجه التقسيم إذ لم يتمكن الفرقاء المتنازعين إيجاد صيغة
سياسية مشتركة لحل الصراع الدامي الذي دخل سنته الثالثة. وسبب عدم الغرابة في إمكانية تقسيم سوريا مرده إلى الوقائع والحقائق على الأرض السورية فيما يخص شقي الصراع العسكري والسياسي. فعسكرياً، نرى جهداً غير مسبوق ومتسارع من سلطات دمشق نحو دحر الثوار من الجيش الحر وغيرهم في منحى واضح نحو حصولها على أكبر انتصار ممكن على الأرض قبل البدء في محادثات مؤتمر جنيف 2 في خلال الشهر القادم. ومن أجل تحقيق مكاسب عسكرية قبل المؤتمر ارتكب نظام دمشق فظاعات وجرائم حرب ضد المدنيين، ولعل أفظعها ما يجري حالياً في قطاع القلمون والنبك، وكذلك القصف الجوي المستمر لكل من حلب وريفها ومدينة درعا التي انطلقت منها شرارات الثورة السورية ضد نظام الأسد القمعي.
ولحق بالتحرك العسكري الدموي لنظام دمشق تحرك سياسي محموم للدبلوماسية السورية، جاء برئيس الوزراء السوري وائل الحلقي إلى طهران حيث أعلن من هناك بأن دمشق ستذهب إلى جنيف ليس لتسليم السلطة للمعارضة بل للحوار معها من أجل مستقبل سوريا، حوار لابد أن يكون فيه دور للرئيس الأسد. وربط الحلقي بين نجاح اتفاق الملف النووي بين إيران والغرب وبين الانتصار على ما أسماه بالإرهاب في بلاده. وهنا وقفة تؤكد بأن هناك ربطا غير عفوي بل يتضح التخطيط له ويتمثل هذا الربط بين ما تحقق من انفراج في ملف إيران النووي مع الغرب، والغامض بمجمله، وبين الأزمة السورية. هناك العديد من الحقائق التي تؤكد بأن تعامل الغرب مع الأزمة السورية قد أخذ منحى يضع في عين الاعتبار بقاء الأسد في الحكم. أول هذه الحقائق بأن إيران حليف الأسد الاستراتيجي ستدفع في جنيف نحو عدم المساس ببقاء الأسد في سدة الحكم وهي التي دفعت بحلفائها والمؤتمرين بأمرها من شيعة المنطقة نحو المشاركة في الصراع الدائر، ولم يعد سراً مشاركة المليشيات الشيعية الخاضعة لأوامر طهران كحزب الله اللبناني، ولواء أبو فضل العباس العراقي، وميليشيا الحوثيين اليمنيين، إضافة للحرس الثوري الإيراني.
ولا تجد هذه التدخلات السافرة نقداً من وسائل الإعلام الغربية بينما هناك توجه واضح نحو شيطنة بعض القوى المشاركة في الثورة السورية مثل جبهة النصر ودولة العراق والشام الإسلامية والمعروفة اختصارا “بداعش”، وحاولت العديد من وسائل الإعلام الغربية اختزال الثورة السورية ضد نظام دمشق في هاتين المنظمتين اللتان ليس لهما تأيدا يذكر على الأرض. ومن هذا المنطلق تم تخويف الرأي العام العالمي من ما قد يتعرض له مسيحيي سوريا من اضطهاد في حال نجاح الثورة وإسقاطاها لنظام الأسد، مستندين لحوادث فردية لحقت ببعض المسيحيين، حوادث قد تحدث في أي منطقة نزاع مسلح ومنها ما حدث لبعض الراهبات في مدينة معلولا مؤخراً، والتي نقلت العديد من وسائل الإعلام المرئية صورتهم مؤكدين بأنهم بخير وخرجوا من المدينة بمساعدة الثوار هرباً من قصف القوات الحكومية، والتي تلعب جاهدة للعب كل الأوراق التي بحوزتها قبل انعقاد مؤتمر جنيف2، وعلى رأس هذه الأوراق بالطبع ورقتي الإرهاب والطائفية. تطور آخر يُثير الريبة والتوجس من إمكانية التقسيم في سوريا وهو التقارب الكردي التركي، حيث قام رئيس إقليم كردستان العراق بزيارة مفاجئة لتركيا ووقع معها عدد من الاتفاقيات في مجال الطاقة. السؤال هنا، هل التحرك الكردي نحو تركيا هو أمر عفوي ولا يجب أن يفسر بتفسيرات غير ممكنة ولا منطقية كانت تعارضها تركيا على الدوام وهي إقامة دولة كردية متاخمة لتركيا في الشمال السوري!؟ ما سبق ذكره هو تحليلات تحتمل الخطأ قبل الصواب ولكن الحقائق فيما يخص جنيف2 يبقى أهمها أن النظام السوري الذي سمح بنزع سلاحه الكيمائي في اتفاق ترك للروس التفاوض والتوقيع نيابة عنه، سوف يكافأ عن تخليه عن أسلحته الكيماوية، كما سيكافئ حليفه الإيراني لقاء حلله وليس إيجاد حل نهائي لملفه النووي المليء بالغموض من ألفه إلى يائه. كل هذه المخاوف جعلت رئيس التحالف الوطني الحر السيد أحمد الجرباء يعلن عن مخاوفه من جراء التقارب الأمريكي الإيراني الذي سيؤثر قطعاً على نتائج جنيف 2، مضيفاً بأن لديه تأكيدات مكتوبة، لم يذكر ماهيتها، تؤكد بأن الأسد لن يكون جزءاً من العملية السياسية في سوريا بعد مؤتمر جنيف 2.
يبقى للمعارضة خيار واحد لا ثاني له وإن كان خياراً قاسياً وهي تواجه بطش نظام حرق الزرع والضرع، نظام لا يعرف الرحمة مطلقاً، هذا الخيار هو خيار الاستمرار في المقاومة حتى سقوط النظام. فالذهاب لجنيف2 محفوف بالمخاطر ولعل أخطرها هو سيناريو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، دولة سنية، ودول علوية مسيحية، ودولة للأكراد، والمخيف أن كل المؤشرات تشير إلى إمكانية حدوث شبح التقسيم الذي سيقلب المنطقة برمتها رأسا على عقب.