«لا أفرض رؤيتي على المتلقي، لكنني أخبئ له مفتاحاً في كل لوحة»
هكذا أجابت الفنانة التشكيلية مريم بو خمسين وهي تطوف بنا حول معرضها الأول التي أقامته في مدينة الخبر الأسبوع الفائت.
حينما سألتُها عن عزوف الفنانين - عادة - عن كشف فكرة اللوحة للمتلقي.
ومريم فنانة مثقفة وصاحبة قضية، لم تبعدها ماهية اللون عن مفاهيم قضيتها.
قضيتها التي تقدمها بنَفسٍ صوفي وعمق فلسفي يستشفه المتأمل لخطوط لوحاتها المُخرجة حسب المدرسة التعبيرية. كل لمسة من فرشاة مريم هي رسالة قيمية ترفل بالمعنى.
كل قصاصة من جريدة أو ورق لف الحلوى أو مزقٌ من ملابس مزركشة أضافتها للوحاتها بطريقة الكولاج، هي بمثابة فاصلة أو نقطة أو قافية في قصيدة مكتوبة لتخاطب الوجدان والعقل معاً.
ولأن القضية هي «المرأة» وتحييد دورها الاجتماعي وعزلها عن مكامن صناعة القرار (كما في لوحات: ولي، وشنب)، أو اختزالها في جسدها الذي هو تارة الأداة، وتارة القناع لذي يخفي قلقها وفوران الرفض الذي قد يدفعها للهروب إلى مساحة خارج تلك الأطر، لكنها قد تسيء اختيار السبيل بالاكتفاء بتغيير المظهر فقط لتعود من جديد لدائرة الإفراغ من المحتوى والتركيز على القالب مرة أخرى (كما في لوحة بالعكس).
أو مهام مُحددة لا يسعها تجاوزها (امرأة في حذاء، امرأة في مزهرية وغيرها، امرأة في حلوى).
ولأن مريم تقول: (لا أستمد روح قضيتي من أزمة شخصية مع الرجل، أو معاناة عشتها، فأنا من خلفية تحترم المرأة وتهبها حقها الطبيعي في أن تكون، لكنني أتأمل واقع المرأة بمجمله وحاجته للتسوية والدعم والانتشال).
لهذا اتخذت الفنانة أسلوباً فنياً واقعاً ما بين الغموض الناعم وما بين الوضوح الهادئ.
فالسريالية والتجريدية اللتان أغوتا فنانات الوطن لسنوات طويلة كانتا ستعمّقان الهوة ما بين المبدعة ومجتمعها، مما سيعيق بلوغ رسالتها التي هي نتاج تأمل عميق ذو بعد فلسفي للمتلقي الذي لن تصل إليه تلك التأملات إلا بلغة يستوعب اختراقاتها.
و إمعانا في التواصل مع المتلقي لم تهمل الفنانة الجانب البصري في رسالتها. الأمر الذي يشبع البصر بألوان صريحة زاهية.
رغم ما تحمل اللوحات من همّ مشترك للمرأة إلا أنه مُخرج بحلة زاهية ورائقة من ألوان الفوشيا والتركواز والأخضر الصريح وغيرها من الألوان التي لم تفسدها بالكثير من الدمج.
مع ندرة استخدام الأسود والرمادي.
إن هذه المزاوجة الرائعة بين جوانب البؤس وجوانب الأمل يجعل معرض الفنانة مريم بو خمسين انعطافة حادة في المشهد الفني السعودي الذي ما يزال منكفئا في دائرة النخبوية.
لأنها وبذكاء حاد أخذت بأطراف كل شيء (اللون، القضية، العمق، الهدف، الجمال، الغموض، الوضوح) وقدمتها في لوحة تخاطب العقل والحواس معا.