الفن باعتباره اللغة التي يعبّر بها الإنسان عن أشكال الحياة المتعددة. ويشكّل العلاقة الجمالية بينه وواقعه. وهو التمظهر الذي طوّع به الإنسان مهاراته المتفرّدة ليؤلف مزيجاً إبداعياً وانطباعياً حول الحياة بجوهرها أو انعكاساتها الوجودية والاجتماعية والسياسية وغيرها. والفنان هو الآلة الفاعلة والمنتجة للفنون، وهو القادر على إضفاء قيمة جمالية تصنع البهجة والسرور للإنسان. أو حامل المشعل الذي يضيء دهاليز الحياة بحلوها وقبحها، لتتضح معالم الحقيقة بأدق تكويناتها الخفيّة عن بقية الناظرين.
فهل تراجع مفهوم الفن بذلك الاعتبار لدى العرب؟
ارتباط الفنون بالحالة الاجتماعية والسياسة على مر الزمن، أمر يقودنا إلى موطن الخلل في تحوّل الفن إلى سوق تجارية تامة المنافسة. في ظل هذا التدهور الوجودي والفكري للفرد العربي على خارطة العالم. فتقلص مساحة الأمان المادي والاقتصادي والروحي للعربي، في زمن بات الحفاظ فيه على الوجود هو المعركة الحقيقية التي تشغل الفرد.
مما جعل الفن لا يعدو كونه تجارة رخيصة لا أكثر. ولم يعد يعبأ بالجمال بقدر ما يشتغل على إثارة الحواس والغرائز جَنياً للمزيد من المال أو الشهرة. والشهرة هنا هي محاولة بحث عن الذات في خضم هذا الضياع العربي الفاره.
أكتب هذا المقال وأنا أستمع لأجمل أغنيات كارول سماحة الفنانة اللبنانية متعددة المواهب، التي لفتت أنظار العالم العربي والموسيقيين كمطربة في نهاية التسعينات، في حين كونها حاصلة على درجة الماجسيتر في التمثيل والإخراج. مهارات صوت سماحة الفائقة هي التي قادتها للحصول على عدة جوائز وما ثبّت نبرتها الحانية وأثرها القوي على الذاكرة والأذن العربية معاً. لكن كارول سماحة ورغم ما تحظى به من شهرة وحضور قوى في الساحة، إلا أنها تتجه مؤخراً اتجاهاً غير مبرر فنياً في عالم الاستعراض. ليس من خلال كليباتها الأخيرة التي ظهرت فيها كراقصة استعراضية ليست متمكنة وحسب، بل من خلال استعراض جديد يحمل اسم «السيدة» كأول عمل استعراضي غنائي راقص في العالم العربي على مسرح كازينو لبنان. والذي قُرر له أن يعرض بعد ذلك في عواصم عربية وأجنبية أخرى. الاستعراض وحسب الفيديوهات الإعلانية في القنوات التلفزيونية واليوتيوب (برومو) يفتقر لأقل متطلّبات العمل الاستعراضي كالخفة والإتقان والسرعة والإبهار. فقد بدت حركات كارول بطيئة، ثقيلة، بليدة وخالية من الابتكار.
وقد عوّضت هذا الشح الواضح في المهارة بأقل قطع ممكنة من اللباس وأكثر مساحة ممكنة من الجسد. والمؤسف بحق أن يحمل هذا الفعل السامج اسم «السيدة» وهو الاسم الذي يقودنا مباشرة إلى سيدة الطرب الأولى «أم كلثوم» تلك التي لم تقبل بتقديم أي تنازلات أخلاقية مقابل مضاعفة المال أو الشهرة. أم كلثوم التي رفضت مجرّد التصوير في وضع الاستلقاء كما هو معتاد من الفنانات قبلها، وفرضت على المصور أن تظهر واقفة. كما قالت عنها صحيفة روز اليوسف (وكان معهوداً أن تستلقي الفنانة أمام المصور، قبل أن تُبطل أم كلثوم هذه العادة».