يطلق البعض مفردات عتبه حيناً ولومه حيناً آخر على عواهنها، دون تمحيص الشخص محل العتب أو الملام في جوانب فكره ومكانته (ونقاء سريرته) من عدمها قياساً بمواقف ماضية، كل هذه التداخلات تُوجد في المحصلة النهائية لبسا وإشكالية، بينما الأجدى أن تصل كل الأطراف لما ينصفها بشكل حاسم، يقول الشاعر النابغة الجعدي:
أَلَمْ تَعْلَمَا أنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها
قَليلٌ إذا مَا الشَّيْ وَلَّى وَأَدْبَرَا
والتماس العذر هو من مكارم الأخلاق طالما أن خطأ الطرف الآخر في حدود ضيّقة، أو كما يقول المثل الشعبي (في الريش) يقول الشاعر أبو العتاهية:
إِذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَكَ زلَّةٌ
فكُنْ أنْتَ مُرْتَاداً لِزَلَّتِهِ عُذْرا
أَرَى اليَأْسَ مَنْ أَنْ تَسْأَلِ النَّاسَ رَاحَةً
تُمِيتُ بِهِ عُسْراً وتُحيِي بِهِ يُسْرَا
وقد تكون الإساءة التي بدرت من الغير من قريب أو صديق وهنا تتفاوت ردّة الفعل يقول الشاعر عبد الله بن علي بن صقيه:
جزى الله بالإحسان من لا نعرفه
ولا (قريب) إلى عرفك أو ذاك
وفي قصيدة أخرى له في نفس سياق المعنى في معرفة جوهر مواقف الآخر وتبعاتها يقول الشاعر نفسه:
لا يغرّك ضوح ضحضاح السراب
عالمٍ بثياب (والكلل امخبور)!
ومن الحلول المتاحة في مثل هذه الحالة النأي بالنفس والابتعاد، إضافة إلى الحلول المشار إليهاً سابقاً وهي العتب والملامة. يقول الشيخ النوري بن شعلان - رحمه الله -:
ما ينبكي حيٍ وراه الفراقي
ولا ينكره بعد الرفاقه إلى أوذوك
والإنسان مُعرّض لمواقف ومنعطفات في الحياة بعضها ربما لا يُحسد عليه، ولكنها في مجملها - محك - لمعدنه، وعقله، وسريرته، أشبه باختبار الليالي والأيام له تكون نتيجته في المحصلة حكم المنصفين من الناس له أو عليه. يقول الشاعر راشد الخلاوي -رحمه الله -:
من عاش مثلي في الملا دوم يبتلى
والأحرار ماوى كل بلوى ونايبه
ويؤكد في الوقت نفسه أن العفو ليس الخيار (الأمثل) في كل الأحوال:
ولا تعف عمَّن لا يرى العفو منّه
فالضد عفوٍ عنه يقوي رغايبه
وفي نهاية الأمر كما يقول لن تعيش مع عمرك أعمارا تستدرك من خلالها ما فرطتَ به حتى عند المبالغة في العفو في غير محله:
والعمر عده عارةٍ ولد ساعه
إلى فات هل تعطى لعمرٍ يعاض به؟!
والكيِّس الفطن هو من يوفق في ردة فعله دائماً في مثل هذه المواقف، والمثل يقول (اللبيب بالإشارة يفهم) A Word is enough for a wise man).
وقفة للشيخ راكان بن حثلين - رحمه الله -:
ما قل دل وزبدة الهرج نيشان
والهرج يكفي صامله عن كثيره