لا يجب أن يتساهل بعض الشعراء خصوصاً المتميزين وتحديداً من يحظون بجماهيرية عريضة عند الناس ببعض التصرفات التي تبدر منهم؛ لأن تبعاتها بلغة (التأثير والتأثر) لا تقف عند حدود أشخاصهم، بل تمتد كالنار في الهشيم، وليس مع الأسف بشكل سار، من ذلك أن يرد الشاعر المتميز المثقف المحترم المعهود عنه الأخلاق العالية على كل نابح وناعق لا يرتقي لمستواه شخصاً وشعراً، ويجب أن تنأى به الكياسة والفطنة عن وحل السيئين، أياً كانت غايتهم التي يخططون لها ببلاهة، قال الله تعالى (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (85 سورة الحجر).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) متفق عليه.
ثم إن من يسيء للآخرين وغالباً ما تكون (إساءة بالوكالة) وليست بالأصالة عن النفس، يتمثل ذلك بمكيدة وضيعة تبدر من وضيع للإساءة لرفيع، ومثل هذه السلوكيات المؤسفة ملء السمع والبصر - خصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي - وإذا ما نزل الشاعر المعروف المحترم الذي يفترض أن يكون قدوة لغيره (وأكل الطُعم مثلما يقولون)، فهو بعد ذلك شاء أم أبى اختار أن يضع نفسه في مقام لا يليق بها في الحاضر والمستقبل.. يقول الشاعر عدي بن الرقاع:
والمَرْءُ يُورث مجدَهُ أبناءهُ
ويَمُوتُ آخَرُ، وهو في الأَحياءِ
أما الآخر الذي استطاع أن يستدرجه إلى الوحل فلن يضيره شيء لأنه لا يمتلك أساساً شيئاً محترماً يستطيع أن يندم على فقده، ولسان حاله كما يقول الشاعر:
إذا رُزِقَ الْفَتَى وَجْهاً وَقَاحاً
تَقَلَّبَ في الأمور كما يَشَاءُ
ويقول الشاعر محمد بن ناصر السياري - رحمه الله -:
أوصيك ياللي تطلب المجد والثنا
ترى الخطا في المرجله صواب
وترى كل طيرٍ صيدته قدر همته
الحر حرٍ والغراب غراب
ثم إن بعد النظر ورؤية الأمور - من زواياها - كما ينبغي هي مما يحسب للرجل وليس عليه، يقول الشاعر العوني - رحمه الله -:
أَتديْبَجْ وانا مَنِيب دَبُّوجْه
واسْفَهْ الْعِلْم كِنِّي ما تَمَعنى بِهْ
ثم إن هناك طرقا رسمية بموجب النظام الذي يكفل لكل متضرر كامل حقوقه، دون أن يكون الشعر في المقابل صورة غير حضارية وهمجية أشبه بأخذ الحق باليد عبر معالجة الخطأ بالخطأ والرد على المسيء بالإساءة نفسها عبر الوزن والقافية المقحم كل منهما في ما لا يليق، والمثل يقول (الوقاية خير من العلاج) prevention is better than cure.
وقفة للشاعر سعد بن هتيمل الدوسري - رحمه الله -:
أرجي ثلاثٍ فيك من غير منّه
الدين الأول والكرم والشجاعه
الرجل لا من الثلاث أفختنّه
لا ينبغي زوله ولا به طماعه