المحب وتحديداً الشاعر في الشعر الفصيح أو صنوه الشعبي لا يعطيك مبرراً لأسباب حُبِّه خصوصا لمن يسبح في بحر أحلام رومانسية أحاسيسه الخاصة، بل يرفض مبدأ المفاضلة أو مقارنة محبوبه بغيره جملة وتفصيلاً، ممّا يفتح باب التأويلات الوهمية للفضوليين في بعض المجتمعات، وكم سمعنا ونحن نبتسم بتعجب ولا أقول بتهكم في حضرة المتكلم، حينما يردد بحماس (وهو جايٍ كلّه فلانة ساحرةٍ فلان ما يبي غيرها)، هكذا يُطلق أحكامه الجُزافية ويفسِّر النوايا.. والخوض في هذه التفاصيل هو هامش لمتن معنى وقشور للباب لا تعني إلا قِلّة قليلة.. ولو تمعّن - إن كانت لديه المقدرة - والاستعداد الفكري وسقف الثقافة العالي في أجمل نصوص الشعراء على مر الحِقب الطويلة المتلاحقة من الزمان، وتنوع واختلاف المكان، لتولدّت لديه قناعة بأن الحب أمر تتداخل فيه (جوانب عديدة) أهمها باللفظ المتعارف عليه (القسمة والنصيب)، وليس محصورا بالجمال، بلغة (السبب والنتيجة).. يقول الشاعر المصري حسيب غالب (1912 - 1976م):
فلو جمعتم جمال الكون أجمعه
في شخص أخرى وقد جاءت تناجيني
لكنتُ كالصخرةِ الصَمَّاءِ عاطفةً
وقلتُ: هذا جمالٌ ليس يعنيني
ويقول الشاعر الشعبي عبد الله بن سبيّل رحمه الله:
قالوا ندوّر لك من البيض حلياه
قلت آه لو غيره بكفّي رميته
قالوا نشاش العود مالك بلاماه
قلت آه عود الموز بيدي لويته
قالوا تزوّج كود تدله وتنساه
قلت آه لو خذت أربعٍ ما نسيته
قالوا من أقصى الناس وين أنت ويّاه
قلت آه ما أنسى يوم جاني وجيته
إلى أن قال:
يا ناس خلّوا كل وادي ومجراه
قلتوا كثير وقولكم ما لقيته
والحب الصادق منذ عهد ما قبل الإسلام وصلت إلينا أصداء صدقه، كالشاعر عنترة العبسي الذي كاد أن يُقبّل السيوف ودماؤه تسيل من سطوتها وصورة حال المشهد من شعره (وبيض الهند تقطر من دمي)، حيث قال في بيت آخر من نفس قصيدته الشهيرة ومعلقته:
وودِتُ تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المبتسم
ثم من بعد عصره مجنون ليلى قيس بن الملوح وغيره حتى أشهر قصص الحب في العصور المتأخرة مثل الفرسان والشيوخ نمر بن عدوان ووضحى، والشيخ والفارس عقاب العواجي ونوت، وغيرهم، كلها قصص حب راقية ومشرفة تكتب بمداد من الذهب في جبين تاريخ الأجيال.
وقفة للأمير الشاعر الكبير سعود بن محمد:
ما في جمال العذارى فرق
الفرق في رغبة الخاطر