كتبت الدكتورة القديرة منيرة الأزرقي بحثًا نشرته في مجلة الدراسات اللغوية في العدد 60 عنوانه (صوت الضاد بجنوب غرب المملكة العربية السعودية دراسة ميدانية)، والكتابة عن الضاد مستفيضة والكتب التي دونت لها كثيرة، ولم يفتأ الدارسون يتعرضون لها من قريب أو من بعيد؛ ولكن تلك الكتابات في معظمها تنطلق من مسلمة غير مؤكدة وهي وجود (وحدة صوتية) هي الضاد.
حاولت الباحثة القديرة البحث عن جذور للضاد كما وصفها سيبويه، وهي الصوت الجانبي المطبق الاحتكاكي المجهور، وأما وصف أستاذه الخليل فهو مختلف وهو أمر غريب، وكانت الباحثة قد أجرت عددًا من الدراسات في لهجات الجنوب، ولكن هذه الدراسة أوسع حسب قولها وكانت بدعم من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، واعتمدت الباحثة على جمع البيانات الصوتية ثم صنع قالب حنكي ملائم متصل بأسلاك توصله إلى الحاسوب، وحللت البيانات الصوتية سمعيًّا وأكوستيًّا وآليًّا، وأظهرت النتائج طائفة من الأصوات: صوت رنيني مطبق جانبي، وصوت أسنانيّ احتكاكيّ مطبق مجهور شبه جانبي، وصوت أسناني احتكاكي مطبق مهموس شبه جانبي. والأمر المثير الذي تقرره الباحثة هو أنه «لن نستطيع أن نجزم بأن كلّ كلمة تكتب بحرف الظاء لها صوت محدد، والأمر متشابه مع كلّ الكلمات المكتوبة بحرف الضاد. أي: ليس هناك علاقة بين حرف الظاء والضاد المكتوبة والصوت المستخدم لهما.. وهنا قد نخرج بقوائم مختلفة من الكلمات تبعًا لأصواتها».. وما تقرره هنا يزيدنا يقينًا أنّ ما سميّ بالضاد ليس سوى صورة صوتية (ألفون) من الظاء.
وذكرت الباحثة في خلاصة البحث «أنّ الضاد الفصيحة كما وصفها سيبويه، التي لم يعرف نطقها الكثيرون نظرًا لتغيرها واندثارها الذي بدأ منذ القرن الرابع الهجري والتي مازال البعض يستغربها والبعض ينكر وجودها والبعض يشكك في وصفها، تستخدم في وقتنا الحالي بين بعض المتحدثين بجنوب غرب المملكة العربية السعودية، ولها عدة صور فحصها الباحثون في هذه الدراسة». وليس يغير أمر استمرار هذا الصوت كما وصفه سيبويه من احتمال كون الصوت بصوره المختلفة صورًا صوتية للوحدة الصوتية (الظاء).
كنت أودّ لو وازنت الباحثة بين دراستها الميدانية وما أنجزته مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية ونشر على أنه «قاعدة بيانات الصوتيات العربية» لأنه عمل اعتمد على الحنك الصناعي وآلات التصوير التي تصور أوضاع التقاء أعضاء النطق أثناء التلفظ؛ ولكن الذي يعيب تلك المحاولة أنها مفتعلة؛ إذ لم تؤخذ من أفواه المتكلمين أخذًا مباشرًا من دون عوائق ماديّة تؤثر على النطق، ثم إن الأمر لم يكن يسلم من التصور السابق لكيفيات التلفظ.
ولعل الدكتورة تتفضل بنشر ما سجلته من نماذج صوتية ليتسنى للباحثين وللمهتمين بالصوتيات سماع صوت الضاد كما وصفها سيبويه. ولعل هذا يكون دافعًا لعمل أوسع يستغرق أصوات الضاد والظاء وما يتحولان إليه كالزاي واللام، ومنطقة الجنوب من المناطق التي اختلطت فيها الضاد والظاء وآية هذا كتابة أسماء الأعلام الضادية بالظاء والظائية بالضاد.. تحية للدكتورة منيرة الأزرقي ولفريق البحث الذين أبلوا بلاءً حسنًا.