رأينا في مقالتنا الأخيرة أن جميع البورصات عرفت انخفاضا مثيرا تراوح بين 40 في المائة و56 في المائة، وقد يقول بعض الملاحظين إن الأسواق المالية تعلمت اليوم كيف تتعايش مع الأزمة، ففي سنة 2008، كانت المشاكل مطروحة لكن لم نكن نرى حلاً،
أما اليوم، فقد اكتسب المستثمرون ثقافة الأزمة، أي أصبحوا على دراية بأن المسيرين السياسيين سيجدون دائما الحل في اللحظة الأخيرة قبل افتتاح الأسواق، كما يلخص ذلك فرانكلين بشار، مدير بورصة باركليس، وسنتطرق في هاته المقالة إلى التجربة المغربية.
فيهدف إصلاح السوق المالي الذي بادرت إليه السلطات العمومية ابتداء من سنة 1993 إلى تحويل المغرب من اقتصاد المديونية إلى اقتصاد الأسواق المالية، كما يهدف إلى الوصول إلى نوع من التعبئة المتزايدة وإلى التخصيص الأمثل للموارد.
فكما تشير إلى ذلك الأستاذة فتحية بنيس كان على إصلاح السوق المالي في هذا الإطار أن يسمح بفتح دائرة النمو من خلال إعادة رسملة المقاولات، تحفيز الاستثمار، خلق مناصب الشغل والزيادة في الادخار. لكن، ومع نهاية العقدين الأخيرين، يمكننا أن نلاحظ أن مجموع الأهداف المتوخاة من هذا الإصلاح لم يتم تحقيقها بعد. ولهذا، لا يمكن الحكم بشكل نهائي على التدابير التي سبق اتخاذها.
وقد أبدى السوق المالي المغربي تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة لكنه تقدم تلته مرحلة من الضعف مازال في حاجة إلى مجهودات متتالية لإزالة كل الحواجز. فكل هذه العناصر تستدعي مجموعة من التساؤلات حول تدابير التحفيز لإعادة انطلاق السوق والإصلاحات الجديدة المحتملة لمرافقة تطوره.
وقد وضعت الساحة المالية للدار البيضاء، بتعاون مع الفاعلين في السوق، مجموعة من التدابير التقنية من شأنها تحسين السيولة. غير أن هذه التدابير لن يكون لها أي تأثير إلا في حالة الانتهاء من الإصلاح النهائي لسوق الرساميل خاصة وان عامل الوقت لا يرحم. فالإعلان عن انطلاق مدينة الدار البيضاء المالية Casablanca finance city مبرمج لهاته السنة، في حين لا تتقدم الإصلاحات المعلن عنها بنفس الوتيرة. غير أن الشيء الوحيد الأكيد هو أن انطلاق وتنمية مدينة الدار البيضاء المالية متوقف بشكل كبير على الإصلاحات الجارية والتي لازال بعضها في عنق الزجاجة منذ سنوات.
من هنا، أصبح من الضروري أن تكون الإصلاحات جاهزة في الإبان لإعطاء دفعة جديدة لدور البورصة والاستفادة من انتعاش محتمل للسوق بتواز مع إعادة انطلاق الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام الجاري كما يأمل الخبراء.
حقيقة أن بعض هذه الإصلاحات وصلت أطوارها النهائية ولا ينقصها إلا مراسيم تطبيقها. غير أنه لم يتحقق أي شيء لحد الساعة. وعلى أية حال، ولإعداد انطلاقة جيدة لمدينة الدار البيضاء المالية، يجب، إضافة إلى مراجعة الإطار التنظيمي، تحسين جاذبية وتنافسية ساحة الدار البيضاء وذلك يتطلب إخراج الإصلاحات إلى الوجود خاصة الإصلاحات المتعلقة بالسلطة المغربية على أسواق الرساميل (AMMC)، وتحسين سوق العقود الآجلة واقتراضات الدين، إلخ.
ومن الواضح أنه على مستوى التنظيم، يعتبر الإطار التنظيمي المنظم لسوق الرساميل متقادما علما أن آخر إصلاح له يعود إلى سنة 1993، لذلك، يجب أن ينكب الإصلاح الأول على الجانب التنظيمي لمرافقة سوق البورصة. ففي الواقع، يمكن اعتبار الإطار التنظيمي الحالي غير مناسب للتطور السريع لسوق الرساميل بصفة عامة وسوق البورصة بصفة خاصة ولا سيما عشية إطلاق مدينة الدار البيضاء المالية.
فلتغيير نصوص القوانين، يجب أن نمر عبر مجلس الحكومة وغرفتي البرلمان، وأن ننتظر مراسيم التطبيق بعد ذلك. إنه مسار طويل خاصة وأن بعض الإصلاحات الهادفة إلى تنويع عرض السوق قد تم إطلاقها لكنها لازالت رهينة هذا المسار. ولهذا، فالإطار التنظيمي الذي يجب وضعه، يجب أن يكون مقروءا، قابلا للممارسة وله معايير (أي مبني حول مبادئ المنظمة الدولية للجنة القيم OICV)، وعليها أيضا أن تكون مرنة لتشجيع الابتكار المالي، الشيء الذي تفتقد إليه الساحة المالية للدار البيضاء.
إضافة إلى الإطار التنظيمي، يعتبر الإصلاح المتعلق بتحويل مجلس القيم المالية CDVM إلى سلطة مغربية لأسواق الرساميلAMMC ، من أهم الإصلاحات المنتظرة، والذي سيؤدي إلى استقلالية وتحمل المسؤولية من طرف سلطة التنظيم. ويشمل هذا المشروع ثلاثة جوانب: استقلال شرطة السوق، توسيع المهمة المستقبلية لسلطة التنظيم لمراقبة مجموع أسواق الرساميل وليس فقط القيم المنقولة، ثم حماية المدخرين علما أن السلطة المغربية لأسواق الرساميل سيكون من واجبها المساهمة في التربية المالية للمدخرين.
ومن هذا المنطلق، سيعمل وضع هذه السلطة الجديدة لسوق الرساميل على تحسين جاذبية المغرب بشكل كبير لدى المستثمرين الأجانب، كما سيعطي بعدا جديدا للساحة المالية للدار البيضاء.
من ناحية أخرى، هناك سوق آخر طال انتظاره ويتعلق الأمر بالسوق الآجلة. ففي إطار المجهودات التي يبذلها المغرب لتحديث النظام المالي، يبدو إنشاء السوق الآجلة أمرا ضروريا لتنشيط ساحة البورصة لأنها ستمنحه أداة للحماية من الخطر.
إن «السوق الآجلة هي سوق العقود الآجلة، أي سوق يتم فيه التسليم الحقيقي للأصول sous-jacentes خارج التنظيم المالي». وبمعنى آخر، يهدف هذا النوع من الأدوات إلى منح المستثمر حماية مثالية ضد الخطر الذي لا يمكن أن يصل إليه في سوق تظل محفوفة بالخطر.
وتجب الإشارة إلى أن وضع سوق آجلة يتطلب وضع شركة مسيرة وغرفة للمقاصة (وسيط في مجموع المعاملات). وفي هذا الإطار، تم إطلاق عروض لإقامة غرفة للمقاصة، علما أن جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة التي تتوافر على غرفة للمقاصة في القارة الإفريقية.
كما أن السوق الآجلة التي ستنظم من طرف بنك المغرب ومجلس القيم المالية، ستمكن من تعزيز الثقة والتزام المستثمرين في تنمية الاقتصاد والمبادلات المالية، وأيضا من تحسين جاذبية السوق.
ومن بين الإصلاحات الأخرى المنتظرة، هناك إصلاح القرض والاقتراض الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة وغرفتي البرلمان. إنه أحد الأوراش المهيكلة وذات الأولوية بالنسبة لسوق البورصة. وهو بالتأكيد، المشروع الأكثر تقدما ولا ينقصه إلا مراسيم التطبيق والعقود التي يجب أن تؤطر هذه الأداة. وترجع أسباب انتظار هذه الأداة من طرف المهنيين إلى ضعف السيولة. ففي الواقع، يساهم إصلاح القرض والاقتراض في تحسين سيولة الأصول الأقل سيولة. وهكذا، فالمؤسسات ذات وضعية إستراتيجية في شركة ما والتي لا تريد التخلص منها، ستجد بفضل هذه الأداة لإقراض أصولها لمقترض يستطيع التخلي عن الأصول المقترضة للسوق ثم يعود لشرائها فيما بعد، وبهذه الطريقة يخلق نوع من السيولة على مستوى السوق.
وأخيرا ومن أجل جاذبية أفضل، من الضروري أيضا تحسين عرض المنتوجات في الساحة المالية. وهكذا، على السوق أن يدمج عدة منتوجات جديدة في صناديق الاستثمار المتداول ETFs التي تعرف نموا قويا على مستوى ساحات البورصة عالميا. وللإشارة، فبورصة غانا ونيجيريا وسعتا من منتوجاتهما المالية المسعرة إلى صناديق الاستثمار المتداول. لكن، بالنسبة للمغرب، يمكن أن يأخذ وضع صناديق الاستثمار المتداول وقتا لأن ذلك سيتطلب تغيير نصوص القانون المتعلقة ببورصة الدار البيضاء ما دام المنتوج غير مدمج في التنظيم، كما يجب أيضا تغيير القواعد المتعلقة بمجلس القيم المالية.