تم برعاية فخامة الرئيس سوسيلو بامبنج يودويونو رئيس جمهورية إندونيسيا، وإنفاذاً لقرار المؤتمر العالمي الثاني للإعلام الإسلامي، عقد المؤتمر العالمي الإسلامي الثالث للإعلام في جاكرتا بعنوان: الإعلام والمجتمع في الفترة من 30 محرم -2 صفر 1435هـ (3 - 5 ديسمبر 2013م)،
وذلك بالتعاون بين وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية ورابطة العالم الإسلامي، بحضور أمينها العام العلامة عبدالله بن عبدالمحسن التركي صاحب العلم واللسن والفراسة المتقدة، وأمين الهيئة الإسلامية العالمية للإعلام الدكتور حسن بن علي الأهدل، صاحب الأفكار المتنورة وذي السبق العلمي في مجال الإعلام. ولابد هنا أن أشيد بزميلي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الزيد، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي ولو لم يكن حاضراً في الملتقى، فإن أعمال الفضل والخير التي يقوم بها تجعلني أشيد به... وهم مجتمعون من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وشاركت في المؤتمر نخبة من العلماء والباحثين والخبراء والإعلاميين في الأمة الإسلامية، وبحث المؤتمر العلاقة التكاملية بين الإعلام والمجتمع، عبر أربعة محاور: المحور الأول: الإعلام العالمي والأبعاد القيمية والأخلاقية. المحور الثاني: نحو رؤية إسلامية للعلاقة بين الإعلام والمجتمع. المحور الثالث: فرص الإعلام في المجتمع المسلم وتحدياته. المحور الرابع: الإعلام في العالم الإسلامي (نماذج وتطبيقات).
ونوقشت في جلسات خاصة القضايا الآتية:
- صناعة الإعلام الهادف.
- الإعلام في مجتمع الأقليات المسلمة.
- الإعلام الإلكتروني: التنظيم.
- الإعلام في الأزمات والتقلبات السياسية.
وحصل لي شرف التدخل في موضوع عن الإعلام بين النسق القيمي والحسابات المغرضة؛ فهذا التساؤل كما بينت ذلك مراراً في صفحات جريدة الجزيرة الغراء يثير العديد من الإشكاليات اللامتناهية بسبب تشابك العوامل السياسية والإيديولوجية وكثرة النزاعات وممارسة القوة في تنظيم المجتمع الدولي، وتدفق الصور والكلمات بصفة متسلسلة مما لا يترك دائماً مجالاً للروح النقدية؛ ولقد أحسن أمين معلوف التعبير عندما كتب في هذا الباب: “هل نستخلص من ذلك أن الفورة بدل أن تكون عامل تنوع ثقافي تقود في الواقع بموجب قانون ماكر إلى التنميط؟ الخطر بدون أدنى شك كما يتبين من طغيان نسب المشاهدة والانزلاق وراء ما هو “صائب سياسياً”، ولكن هذا النوع من الأخطار ملازم لكل نظام ديمقراطي، إذ يمكن توقع الأسوأ إذا ما وقعنا تحت تأثير العدد ...في المقابل، لا يمكن الجنوح إجبارياً إذا أحسنا استعمال وسائل التعبير التي في حوزتنا وإذا عرفنا كيف نكتشف خلف واقع الأرقام المبسط واقع البشر المعقد”.
فكما أن الحضارات والديانات لا تتحاور فيما بينها، بل ممثلوها وأتباعهم هم الذين يتحاورون فيما بينهم، فإن العاملين في الإعلام هم أصحاب السير العارم من الصور والكلمات وهم الذين يستطيعون المحافظة على قواعد “الموضوعية” و”الحياد” و”التوازن” وهم الذين، على العكس من ذلك، بإمكانهم قيادة السفينة إلى محيط يأتيه الموج من كل مكان يصعب التخلص منه مما يزيد النزعة المثالية، التي تتطلع إلى دور “نموذجي” أو “طوباوي” لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أكثر تعقيداً. وحاولنا خلال تدخلنا في ظل السلطات الجديدة للعولمة الحديث عن مخاطر بعض الأفكار الرائجة ذات مغزى وأبعاد وانعكاسات مباشرة على العديد من الأمم والقارات تضخمها وسائل الإعلام انطلاقاً من الأساليب الكاذبة لبعض مروجي مبدأ الحوار والذين يسعون غالباً إلى تبرير سياساتهم وإعطائها الغطاء الفكري الضال والمضل كمشكلات إدماج المهاجرين وبالأخص المسلمين منهم في المجتمعات؛ والمصيبة الآزفة والداهية العظمى التي ليس لها من دون الله كاشفة أن هذا الموضوع أضحى الشغل الشاغل لصناع المرشحين السياسيين وفي الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية؛ ويكفي الرجوع إلى حمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا وألمانيا للاقتناع بذلك، ولا يمر يوم واحد في أوروبا دون أن تسمع أو تقرأ في وسائل الإعلام المختلفة عن تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوربية، وفي الأشهر الأخيرة أثير جدل كبير عن هاته الثنائية وحمل لواءها العديد من الأحزاب اليمينية المتشددة في أوروبا.
فلا يمكن أن ننسى هنا تداعيات الخطابات السياسية الأوروبية والغربية الزائفة التي تجد في معاداة الإسلام والمسلمين تجارة رابحة ومخزوناً انتخابياً لا ينفد؛ والكتابات الأخيرة للفيلسوف الألماني الكبير يورغن هابرماس تشير إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين من الأسباب التي تجعل الجسم المجتمعي الألماني مصاباً بداء الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، تتنمى فيه فكرة وجود الهوية والثقافة الوطنية في مأزق كبير، وهذه الهوية يوقد نارها بعض من الأحزاب والسياسيين كلما أكدت استطلاعات الرأي أنهم فقدوا مصداقيتهم تجاه منتخبيهم من قبيل ما وقع في تسعينات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار الكثير من الجدل السياسي؛ ولكن خلافاً لما وقع في تلك الفترة، فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة “يهودية-مسيحية”.
الكلام الذي نحذر منه يجد مثلاً ذروته في الاعتداء الذي هز النرويج من طرف شاب لا يتعدى عمره 32 سنة، سعى بحسب زعمه “تطهير أوربا من المسلمين بحلول 2083” بإشعال “حرب صليبية ضد المسلمين”؛ وقد نشر على الإنترنت قبل إقدامه على هذا الإجرام المدان، “مانفستو” أو ميثاقاً في 1500 صفحة كتبه على مدى ثلاث سنوات، يجمع بين دليل صناعة القنابل، وما يظنه عن الإسلام والتعدد الثقافي في أوروبا والعالم، وما يظنه عن سياسات أصحاب القرار في أوروبا، والاستشهادات التاريخية بالمسيحيين المتطرفين والسياسة الدعائية المغرضة؛ وتنبأ السفاح بريفيك بأنه سوف ينعت بأكبر وحش نازي منذ الحرب العالمية الثانية “وأنه قائد فرسان الحق”.
إرهابي النرويج حسب يقيني هو نتيجة الخطابات والسياسات الأوروبية السلبية في حق المهاجرين المسلمين منذ عقود، غذتها باستمرار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وجعلت المسلمين رهائن لحسابات سياسوية وأمنية خلطت بين الأخضر واليابس، بين الهجرة والإرهاب، وبين الإدماج والمخدرات والجريمة؛ وازداد هذا العداء الرسمي الذي يجد له مريدين في المجتمع مع خطر الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر 2011 الذي يكبر له كل من أراد أن يجمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، وحملات حرق المصحف كما حدث بالولايات المتحدة الأمريكية، والتأييد الشعبي لمنع بناء المآذن كما حدث في سويسرا وحظر النقاب كما وقع في فرنسا.
إن الإرهاب رغم الضربات التي تلقاها في السنوات الأخيرة ما زال يثبت للعالم قدرته على التأقلم وحشد الأتباع الذين تلوثت قلوبهم وأفئدتهم، والمطلوب في هاته المرحلة تعاون دولي مستمر لإزالة المسببات وما تحت حشائش الإرهاب، وكان قد أعلن خادم الحرمين الشريفين في مبادرة حميدة وتاريخية وفي كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الإعلام عبدالعزيز خوجة بمناسبة عيد الفطر السنة الماضية، وكان خادم الحرمين قد دعا إلى إنشاء المركز في فبراير من عام 2005، خلال فعاليات المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته الرياض. والأمل أن تلحق بقية الدول الأعضاء في المنطقة الدولية بهاته الريادة وأن تؤدي أمانتها في إنجاح عمل هاته المؤسسة.