افتتحت هذا الأسبوع فعاليات مؤتمر “الحوار وأثره في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم” في الرياض بمشاركة 250 شخصية عالمية من مختلف جنسيات ودول العالم، تتسم جميعها بالوسطية والاعتدال وتتصف بالحوار الهادف البناء، واستقبلت اللجنة العلمية أكثر من 190 بحثاً وورقة عمل في مختلف
محاور ومواضيع المؤتمر، حُكِّمت تحكيماً علمياً مميزاً، فقُبِل منها 120 بحثاً وورقة عمل قُسِّمت في 14 جلسة علمية، بالإضافة إلى جلستي الافتتاح والختام وطبعت تلك البحوث وأوراق العمل في 10 مجلدات. وفي كلمة للأمين العام للمؤتمر عميد مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة وحوار الحضارات الدكتور عبدالمحسن السميح، وهو من الأساتذة النشيطين المشهود لهم بالعلم والكفاءة، أوضح أن الجامعة تتشرف بتنظيم هذا المؤتمر بمشاركة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وجائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، والهيئة العالمية للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته.
والمؤتمر يركز في رؤيته وأهدافه ومحاوره، على تأصيل مفهوم الحوار وآدابه ومقوماته وأساليبه وتفعيلها في التعريف بالمصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، والدفاع عن شخصيته العظيمة، وتقديم تلك الآراء والكتابات والشهادات، التي تتسم بالعدل والإنصاف في طرحها العلمي والبحثي حول النبي الكريم، حتى يكون الحوار وسيلة ومسيرة للدفاع عن خير البشر صلى الله عليه وسلم.
كما ان المؤتمر شهد عرض فيلم بعنوان “الحوار سبيل للدفاع عن خير البشر”، كما صاحب المؤتمر تنظيم معرض لتسليط الضوء على بعض جهود الجامعة والجهات المنظمة في نشر ثقافة الحوار والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من جهته، أكد رئيس اللجنة العليا للمؤتمر الدكتور أبا الخيل، وهو صاحب لسان وقلم متميزين أن المؤتمر يأتي بوصفه عملاً علمياً تربوياً يتوافق مع رسالة الجامعة التي تُعنَى بخدمة كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مشيراً إلى أنه يأتي انطلاقاً من دور الجامعة الكبير في تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الخاصة بالحوار، وأنه سيحقق أهدافاً غاية في الأهمية لأنه يتناول موضوعاً دقيقاً وهو الحوار وكيفية أثره في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبناء على وحدات موضوعية ومحاور منهجية، فكل تدخلات المشاركين تتلخص في طلب الحق وعدم استنكاف الخضوع له، والمشاركون كتاب ومفكرون مرموقون من مشارب حضارية وثقافية مختلفة، فتجد فيهم رجل الدين ورجل السياسة ورجل الفكر والجامعي الأكاديمي والصحافي المتميز والدبلوماسي المحنك، أغنونا بأفكار وتجارب ذاتية، واحتكموا إلى العقل الرشيد لدراسة مواضيعهم، وكل المشاركين لهم معرفة تامة بجوانب الموضوع، يستندون إلى دلائل واستشهادات تعزز موقف كل منهم، مستقاة من الأصول والفروع حتى لا تتداعى الخواطر وتنقص المرتكزات الموضوعية، فهناك منهج واحد مفروض، هو الالتزام بالموضوعية بحيث يتغاضى الكاتب عن انطباعاته الذاتية أو المعلومات الشائعة أو المشهورات التي تتداول في وسائل الإعلام باعتبارها حقائق أو مسلمات، فضلاً عن التمرد من النزاعات والأهواء الطائشة والعواطف المغرضة، ولأن الموضوعية تعني التجرد من كل الآراء المسبقة، وتعني اعتماد الدلائل العقلية أو التجارب المادية أو الأخبار الموثقة، والتاريخ المحرر علمياً، والتقييد بالموضوع، والاحتراس من تعميم الأحكام وتجاهل نواحي الضعف والخلل في الرأي المأخوذ به، والخلط بين الرأي والذات الآخذة به.
إن الحقيقة لا تتجلى إلا بالتمحيص والمراجعة والبرهان، كل ما كتب برنارد لويس وصامويل ها نتنغتون هي نظريات وأقاويل وشبه كتبت بالمداد، ودفع الشبه وقوادح الأدلة الأخلاقية ترد بالبراهين العقلية والحوار الرصين بعيدا عن اللجاج والمكابرة واعتماد الآراء المشهورة من غير تمحيص، وهذه المغالطات هي في نظري الحافز الأول على التأليف فيه والإسهام في تفعيل آلياته خلافاً لمن يدعي أن عقد المؤتمرات أو الكتابة فيه مضيعة للوقت، فالحق يضاد الخطأ ولا يوافقه ويشهد ضده، فكيف إذن يمكن الرد على ذلك الجامعي الفرنسي أو نغني فكر أولئك الطلبة الأوروبيين وهم يدرسون نظريات العلاقات الدولية إذا لم نغن الساحة الفكرية بمنتوجات تكشف عن مواطن الزلل في الفهم والتحريف للوقائع لمن لا يدركون مراميها، فأخطاء الفكر وكبواته وتصوره في إدراك الكثير مما هو خارج عن أفقه لا يقابل إلا بالفهم والإدراك، فلا بد من إخراجها إلى الواقع تعبيرا وكتابة وتفعيلا، وهذا مظهر صحي للفكر في القديم والحديث، وهذه هي الثقافة المولدة للحوار خلافا لبعض المؤتمرات والكتابات التي لا تنتهج الموضوعية والمنهجية العلمية في الفكر والإنتاج. إذ من المعلوم أن المسائل التي يختلف فيها الناس إما أن تكون مما يتعلق بالمعتقدات، أو مما يتعلق بالاجتماعات والعلاقات السياسية والحقوق المقررة. وإما أن تتعلق بالمعارف العلمية المتصلة بالطبيعة والمادة، وإما أن تتعلق بالأنظار الفلسفية. وإما أن تتعلق بالماضي وتراثه، والتاريخ وأحداثه. ومن المعلوم أن لكل صنف من المسائل منهجه الملائم، فهناك المنهج الاستدلالي العقلي، وهناك المنهج التجريبي الطبيعي، وهناك المنهج الاستردادي التاريخي فإذا كان موضوع الحوار تاريخياً كان المنهج التاريخي هو مرجعيته، بما فيه من آليات التوثيق والنقد للنصوص وفقهها، وتمحيص الروايات ومقارنتها، وإذا كان الموضوع دينيا أو اعتقاديا، وجب الاعتماد فيه على المنهج الذي يلائم المسألة المطروحة للحوار، فإذا كانت ترجع إلى الاستدلال العقلي، اعتمد عليه، وإن كانت ترجع إلى فهم النصوص اعتمد فقه النص لغة وسياقا.
هذه جملة من التوجيهات الرشيدة في أركان الحوار الإجرائية وهي ما يقوم عليه من أسس وأساليب وهي ما تتوخاه مثل هذه المنتديات.
ثم في الأخير إن الصدام الحضاري لن يكون كما يكتب غراهام فولر “حول المسيح أوكونفوشيوس أو الرسول صلى الله عليه وسلم بل على سوء توزيع الثروة والقوة والنفوذ”، فهناك 20% من سكان العالم هي التي تنعم بظروف عيش الدول المتقدمة، والهوة تزداد اتساعا بين الأغنياء والفقراء، وحسب تقارير المؤسسات الدولية، من ضمن ستة مليارات من سكان العالم، يعيش ثلاثة مليارات بأقل من دولارين في اليوم و1.2 مليار بأقل من دولار واحد في اليوم أي في عتبة الفقر المطلق، وهناك 1.5 مليار من الساكنة لا توفر الماء الصالح للشرب وسوء توزيع الغنى في العالم الذي يزيد فجوته مع هيمنة العولمة، هي التي تزيد من درجة السخط والغضب وهي التي تؤجج العنف والصراعات الإثنية والعرقية.
فليست الثقافات هنا هي المسؤولة عن المجاعة في إفريقيا ولا عن هذه الفوضى الاجتماعية والفوارق الاقتصادية؛ والعولمة هنا بدل أن تقوم بإنماء الدول الفقيرة كما يظن البعض، فهي في شكلها الحالي “من شأنها أن تكون في مصلحة القوى الاقتصادية الأكثر قدرة وقوة، ورغم أنها تشكل قيمة مضافة بالنسبة للمنافسة وتقدم الإنسانية، فهي لا تخدم إلا جزءا من ساكنة العالم، القادرة على استغلال السوق والموارد المتوفرة”، فالغرض الأول والأخير لمثل هذه المنتديات هو إزالة ما قد نراه من الغبش الفكري الذي يتراكم اليوم على بعض الحقائق الجلية، تحت تأثير نظريات جاحفة وأحقاد شخصية وهذا من شأنه أن يمد جسور الفهم المشترك ويقوي من الوشائج في سبيل بناء الأسرة الإنسانية الواحدة.