مكان العمل، وبيئته يقال بيت المرء الأكبر..
يتسع بحجمه، ويكبر بأفراده، وينعم بالعمل، والحركة، وتحقيق الذات فيه..
والمرء يخرج إليه من حياته الخاصة، ومن أهله المقربين ليندمج في حياة تعم، ومعارف يتشعبون..
في مكان العمل العطاءُ في كفة الأخذ يتساويان..
إلا ما كان من أمر النية، وعمل الضمير، وخفي الباطن فشأن كل ذلك إلى الله العليم..
فالمرء في مكان عمله ذو واجبات، وذو حقوق.. ما قدَّمَ يأخذ في مقابله..، وما أخذ يعطي في تقاضيه..
وتبقى أمور التقدير، والأجر، والتمييز، مجالات تنافسٍ لمزيد دافعيةٍ..، ومثمرِ مُنْــتَجٍ ..
يتكفل بالعمل المرءُ القائمُ به..، ويتكفل بالتقدير، والأجر المرءُ المسؤولُ عنه..
بمعنى آخر، إن المرء في مكان عمله أجير، والمسؤول عنه راع..
وينزل كلُّ منتمٍ لهذا المكان منزلته من عمله الذي يُسند إليه..
ولاشك في أن المؤسسة الواحدة ذات أقسام، وجوانب اختصاص، غير أنها جميعها تنصب في مجال اختصاصها..
وفيها تتكون بيئة العمل، ويتعايش العاملون فيها، والمسؤولون عنها، من بوابتها المدخل، إلى صدراتها الإدارة ..، إلى بوابتها المخرج..!
ولأن العناصر البشرية لا تنتج في غير بيئة صحية تقديرا، وحفظ حقوق، وعدالة في تعامل، وفرصا للتنمية، وتمكنا من التدريب، ودافعية بزيادة أجر، وإنسانية مواقف، وأداء واجب، فإن المرء في هذه البيئة لن ينتج وهو راضٍ..، ولن يتفاعل وهو مطمئن، ولن ينتمي وهو محب..
وكثيرا ما تجلس للناس في مؤسسات الأعمال، وتجدهم متذمرين، ساخطين، غير راضين..
وقليلا ما يندر أن تجد من هو راض، ويندس وراء هذا سبب،..!!
والأسباب عديدة، وقد تتشابك، سواء عند الساخطين، أو قلة الراضين..
وبما أن هناك توجها للتطوير، وللتحسين، ولتنمية مستديمة لإيقاظ الهمم، والضمائر لدى الأفراد، فإن الخوض في الماء قبل تصفيته، لن يجدي في التخلص مما يعكره..
ولأن هناك ما يُمكِّن من الوقوف على أسباب السخط، وشيوع عدم الرضاء، مما يفسد صحة بيئات العمل، فإن دراسات تقوم بها أقسام علم النفس، والاجتماع في الجامعات، وإدارات تنمية الموارد البشرية في كل مؤسسة لدراسة أوضاع منسوبي بيئات العمل، لترسية قواعد، ونظم، وإجراءات تنشل بيئات العمل من فسادها، وظلمة عدم الرضاء، والاطمئنان، وتحد بل تمنع التحيز، والتفريق، والسلب، والغمط، والتهميش، والقفز، وتمنح كل عامل في جميع المستويات، والمجالات، والاختصاص، بيئة صحية له فيها من الحقوق المقننة التي لا يتجاوزها هوى، ولا ميول، ولا استئناس بشري، بل تُمسطِرها قوانين، ونظم، وتضبطها قواعد تعطي كل فرد حقه، وتسأله عن واجبه، في غير إخلال بكفتي العطاء، والأخذ، والواجب، والحق..!
فإن تحققت العدالة، والموضوعية، والشفافية في بيئات العمل، فإن في هذا مدعاة للتوافق، والتكاتف، والتعاون، وحسن التفاهم بين الأفراد المكونين بيئة عملهم، بما يشيع الراحة، ويؤسس للقبول، والانتماء.. ومن ثم تُبذل الجهودُ رُخاءً، وتُنتجُ..
وأولى البيئات بهذا الجامعات، التي هي مواقد العلم، ومصادر النور، التي تدفع لبقية المؤسسات بعناصرها..
فالأولى أن تكون هي بيئات صالحة، وسليمة، ونقية.. يشيع فيها صدق النية، ويطوف فيها هواء العافية..
فما بالنا كلما جلسنا لمن يعمل في الجامعات، اندلقت دلاؤهم بالسخط، والتذمر، وعدم الراحة..؟!
ألا تتولى أقسامها العلمية المختصة، القيام بدراسات مستفيضة، ودقيقة، وموضوعية عن وضع منسوبيها لمعرفة سلامة البيئة فيها..، من عدمها..؟
فإن اكتشف الداء، لن يعز الدواء..؟!