كلُّ هدر فساد..
قطرة الماء، وومضة النور، ولقمة الرغيف، وشعلة الجهد، وفكرة السوء..
الهدر في المال، والجهد، والمقدرات يعني النفاد..
ومن لا يملكُ بعد أن يسرفَ أمراً، ولا حيلة، ولا منفذاً، فسيقعد ملوماً محسوراً كما وصفه مَن خلَقه..!
ناهيك عن نتائج الهدر الموغلة في تأثيرها في حقوق النفس، ووضع الحال..
وتلك النتائج الأخرى فيما يرتبط بالواجب العام، والرعاية في المسؤولية، وفي حقوق الآخرين..
فعواقب الهدر إن كانت نتائج تخص الفرد ذاته تكون مدعاة لسؤاله، ومد يده، وكشف حاله، وذله لسواه..
وإن كانت تخص مؤسسة يعمل فيها، أو مالاً أودعت مسؤولية صرفه عنده، أو مقدَّرات وطنية أُنيط به شأن تسييرها وإنمائها، ونحوه.. فتلك المعضلة.. وأي معضلة..؟!
إن الإسراف يبدأ من التفريط..
وإن الهدر سلوك السادرين في غيهم.. المتورطين بتفريطهم.. المعطلين لضمائرهم، وإحساسهم.. الغارقين في أحلامهم..
وهؤلاء هم المتاجرون مع أنفسهم..!!
فأي تجارة خاسرة هذه..؟
ومع أن هناك وجهاً من التفريط في الكرم.. إلا أنه الوجه المشرق لوعي المرء، فليس من كريم يخيب حين يقيل عثرة، ويأوي نازلاً باستضافة، أو يحمل مكروباً للتفريج عنه..
تكون حينها التجارة مع الله تعالى وليس مع النفس.. ويكون هو من المتاجرين مع الله..
فأي تجارة رابحة هذه..؟
إنَّ هدر الإسراف تفريط، والتفريط فساد، إن خص الذات أوهنها، وإن مس العامَّ عطَّلَه..
وإنَّ أسوأ أنواع الهدرِ هو إسراف التفريط في أمانة المسؤولية، وإن كان فتح إشارة مرور.. أو إغلاقها..
أو مضاعفة أجر عميل في منزل، أو حجب ثقة عن شريك بلا وازع غير أمر النفس..!
الهدرُ سيلٌ جارفٌ، لا يميز بين عتمة غفلة.. ولا تقيُّظِ بركان.. ولا وداعة نهر..
ريحُه قاصمة.. وسطوته طامسة.. وبؤسه مَحصلة.. وندمه حارق..!!