الانبعاث في الكلام يعني الإكثار منه والإقبال عليه بشدة، وهو من شقائق الشيطان، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: « الانبعاث في الكلام من شقائق الشيطان» أخرجه بن أبي شيبة في كتاب الأدب (68)، وفي الحديث «وإياكم شقائق الكلام فإن شقائق الكلام من شقائق الشيطان « أخرجه البخاري في الأدب المفرد (382) وابن أبي شيبة في كتاب الأدب (71) وهذا فيه النهي عن كثرت الكلام والتقعر والتشدق فيه مما يؤدي إلى الثرثرة فيه، وجاء الحث على قلة الكلام لما في ذلك من السلامة من الآثام، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند (1732) :»إن من حسن إسلام المرء، قلة الكلام فيما لا يعنيه « .
) ولأن كثرة الكلام قد تورث الانسان موارد العطب، فالإنسان العاقل لا يماري الناس على كلامهم، ولا يتطلع أن يكون أكثر منهم كلاما، إلا فيما دعت إليه الحاجة واقتضته الضرورة من قول الحق والدعوة إليه، وعليه أن يتأمل فيما سيخرج منه قبل أن يتكلم حتى لا يندم، وما أكثر من ندم إذا تكلم، وليس من الخلق أن يتكلم الانسان بكل ما أتى على لسانه، لأن من كان ثرثاراً في قوله كثيراً في كلامه مجَّه الناس وكرهوه.
) وكثرت الكلام تكون بالمنطوق وتكون بالمكتوب، وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي الحديث وأصبح اليوم أكثرها معاطن للقدح والذم وكشف العورات وإثارة الفتن والعداوات، وأكثر ما تقع الفتن ويتفرق الناس من كثرة الكلام الطائش وبعض الناس قد سخر وقته للإكثار في الكلام فيما لا يعنيه فيقدح في هذا، ويلوم هذا، ويسب هذا، وكما قيل:
أقلل كلامك واستعذ من شره
إن البلاء ببعضه مقرون.
) وإذا كان الحال كذلك فإن الانسان يحرص على حفظ لسانه من كثرة الكلام الذي لا فائدة منه حتى يحفظ نفسه عن الخوض فيما لا ينبغي، ولو كان الكلام مباحاً يحذر الانسان من الإكثار منه لئلا يقع في المحذور منه، فالصمت في وقته يكون مرتبة عالية، ولهذا كثر مدح الصمت، وذم كثرت الكلام.
) وقد سطر السلف في حياتهم أروع الأمثلة في قلة الكلام، قال عمر - رضي الله عنه - للأحنف بن قيس يا أحنف :» من كثركلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه» ذكره في مجمع الزوائد (10/302)، وقال مالك بن أنس : « كل شيء يُنتفع بفضله - أي بزيادته - إلا الكلام فإن فضله يضر» (روضة العقلاء ص 37)، وفي سير أعلام النبلاء عن إبراهيم بن رستم قال:»سمعت خارجة يقول : صحبت عبدالله بن عون خمس عشرة سنة فما أظن الملائكة كتبت عليه شيئاً».