التأليف بين قلوب المسلمين يعد من أعظم النعم التي امتن الله بها على أهل الإسلام، إذ به تجتمع الكلمة ويتوحد الصف ويتماسك بنيان المجتمع أمام عوادي الزمن وفي الأزمات، وكل من سعى إلى تحقيق ذلك والدعوة إليه فقد ذكَّر بالنعمة التي ذكَرَها الله في قوله:
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.
) وتأليف القلوب يعني جعل بعضها يألف بعضا ويحب بعضا ويميل إلى هذا الحب ويألفه، ولا ريب أن اجتماع قلوب المؤمنين وتأليفها من أسباب القوة والتمكين في الأرض، وتعظم الدعوة إلى هذا الأصل العظيم في زمن الفتن واضطراب الأحوال، وهذا من نعمة الله علينا في هذه البلاد حيث نرى الاجتماع والائتلاف بين الناس ومع قيادتهم وولاة أمرهم نرى هذا ظاهراً وبارزاً ويزداد قوة وتماسكاً كلما ضعف في بعض المجتمعات.
) وهذا ثمرة العمل بالنصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف وكل من خالف هذا الأصل خرج عن الجماعة ووقع في الفرقة، ولأن القلوب إذا تنافرت أصبح الناس يبغض بعضهم بعضا ويعاديه، ويحب بعضا ويواليه، وفق مرادات النفس وأهوائها ثم يؤول بهم الأمر إلى الطعن والسب والهمز واللمز، ويصل الأمر إلى الهجر والمقاطعة بل ويشتد إلى تغليب روح الانتقام والتشفي، والفرح بالمساءة على الآخرين، والوقوف بالمرصاد للأذى وإيقاع الضرر، وليس هذا من سمات أهل الجنة.
) إن العاقل من يحافظ على تأليف القلوب بين إخوانه ونزع كل ما من شأنه أن يعيق ذلك أو يكدر صفوه، ويعرف قدر هذه النعمة التي جعلها الله في قلوب المؤمنين فإنها إذا سُلبت من القلوب حلَّ محلها الفرقة والاختلاف، وانتشار العداوة والبغضاء بين الإخوان.
) كما أن السعي في تأليف القلوب يكون في الأحوال الخاصة كحال الأسرة والأقارب والجيران والأصدقاء، ويكون في الأحوال العامة بين المجتمعات المسلمة لتسلم الصدور من الإثم الباطن، وفي الحديث: (لا يُبلِغُني احدٌ عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) أخرجه أحمد في المسند (3759).