هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، ثاني الخلفاء الراشدين، قال ابن حجر العسقلاني: كان من أشد شباب قريش على المسلمين عند المبعث، ثم لما أسلم كان إسلامه فتحاً على المسلمين وفرجاً لهم من الضيق، قال عبد الله بن مسعود: ما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر، وذكر شريح بن عبيد الله قال:
قال عمر خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون)، فقلت كاهن، قال: (ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون) حتى ختم السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
وكان إسلامه في السنة السادسة من البعثة وله من العمر اثنتان وعشرون سنة آنذاك، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد كبار علماء الصحابة وزهّادهم.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين فقّههم الله في الدين، قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن إسلامه كان فتحاً وإن هجرته كانت نصراً، وأن سلطانه كان رحمة.
وقد روى الإمام أحمد بسند عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم قال: إن الله عزّ وجلّ جعل الحق على قلب عمر ولسانه، قال نافع وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه ابن الخطاب، أو قال عمر، إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر.
فقد وهب الله عمر علماً، وأعطاه حكمة، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قص على أصحابه رؤيا فقال: رأيت في المنام، كأني أعطيت عسّاً وهو القدح الكبير، مملوءاً من لبن، فشربت منه، حتى تملأت، فرأيته يمشي في عروقي، بين لحمي وجلدي، وفضلت منه فأعطيتها ابن الخطاب، فأولوها؟ قالوا يا رسول الله هذا علم أعطاك الله عز وجل حتى إذا امتلأت فيه، فضلت منه فضلة فأعطيتها ابن الخطاب؟ قال صلى الله عليه وسلم وبه: بأن يعز الإسلام، بأحب الرجلين إليه: بأبي جهل وبعمر بن الخطاب، قال: فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب.
قال ابن عباس فلما اسلم عمر فنزل جبريل فقال: يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يعرف لعمر بن الخطاب قدره وفضله، فقد روى عنه من طريق محمد بن سيرين عن عبيدة، قال: لما بلغ علياً أن رجلاً ينال من أبي بكر وعمر، أنابه وجعل يعرّضُ بذكرهما، وفطن الرجل فأمسك فقال له علي: رضي الله عنه، أما لو أقررت بالذي بلغني عنك لألقيت أكثرك شعراً يريد رأسه.
وقد جُمعت فضائل في كثير من المصادر: عند ابن كثير في تاريخه، وعند ابن عساكر ولدى أحمد بن حنبل، في فضائل الصحابة وغيرهم.
ولي الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنهما، ومات شهيداً عام23هـ وعمره 63 عاماً، وكان درعاً عادلاً، زاهداً روى الإمام أحمد بسنده إلى زيد بن أسلم، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرّة واقم، حتى إذا كنا بصررا - موقع على ثلاثة أميال من المدينة - إذا نار فقال: يا اسلم إني أرى ها هنا ركباً، تضر بهم بالليل والبرد.
انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضّو وهذا من تواضعه رضي الله عنه كره أن يقول يا أصحاب النار، فقالت وعليكم السلام، قال: أأدنو؟ فقالت: ادنُ بخير أو دع، فدنا فقال: ما بكم؟ قالت: الجوع قال: فأي شيء في هذا القدر؟ قالت: ماء أُسكّتهم به، حتى يناموا والله بيننا وبين عمر فقال: أي رحمك الله وما يدري عمر بكم؟
قالت أمّرنا عمر ثم يغفل عنّا، قال أسلم: فأقبل عليّ ثم قال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً من الدقيق، وكبّة من شحم، فقال: أحمل عليّ فقلت: أنا أحمله عنك، قال: أنت تحمل عني وزري يوم القيادة، لا أمّ لك.
فحملته عليه فانطلق وانطلقت معه، عليها نهرول فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول لها: ذري عليّ وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها فقال لها: أبغي شيئاً، فأتته بصحفة فأفرغها فيها، ثم جعل يقول لها أطعميهم، وأنا أسطح لهم، فلم يزل حتى أمن أمير المؤمنين، ثم قال: قولي خيراً إذا جئتِ أمير المؤمنين وأنهم شبعوا، وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه فجعلتْ تقول: جزاك الله خيراً كنتَ أولى بهذا الأمر، أميراً للمؤمنين وحدثني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية عنها ثم استقبلها فربض مربطا، فقلنا إن له شأناً غير هذا ولا تعلمني.
حتى رأيت الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدأوا، فقال: يا أسلم إن الجوع أسهرهم ونكّاهم، فأحببت ألا انصرف حتى أرى ما رأيت.
وقد عقد الهيثمي باباً في كتابه مجموع الزوائد فيما ورد من موافقات عمر رضي الله عنه للقرآن الكريم، ذكر فيها ما يربو على ست موافقات (9: 67).
وقد جاء في الصحيحين من حديث أنس قال قال: عمر رضي الله عنه وافقت ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يتحجبن، فإنه يعلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}، فنزلت هذه الآية.
وعن تحريم الخمر جاء في الدرّ المنثور، أن ابن أبي شيبة أخرج وأحمد وأبي داود والترمذي وصححه، والنسائي وغيرهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عن الخمر والميسر، اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِر ...ِ} الآية (219) سورة البقرة، فدُعي عمر فتليت عليه. فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فدُعي عمر فتليت عليه، فقال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} (43) سورة النساء، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أقام الصلاة، نادى لا يقرب الصلاة سكران، فدُعي عمر رضي الله عنه فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} الآيتان (90 - 91) سورة المائدة.
فدُعي عمر وتليت عليه فلمّا بلغ {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91) سورة المائدة. قال عمر انتهينا .. انتهينا، وكانت له رضي الله عنه أوليّات في تاريخ الإسلام، واجتهادات في أمور الدين منها:
- أنه أول من أعلن التسليم في الصلاة.
- وأول من جهر بالسلام بالصلاة، فأنكرت الأنصار ذلك
- وأول من رفع مقام إبراهيم فوضعه في موضعه الآن وإنما كان في قِبَلِ الكعبة.
- وأول من حصّب المساجد - يعني فرشها بالحصباء وهي الحجارة الصغيرة، إذ كانت مساجد المدينة، سبخه يثور غبارها بالأقدام، كما قال ابن سيرين.
- وأول من دوّن الدواوين، وعرّف العرفاء، وأول من جعل الشعور في الإسلام. ويكفيه فخراً أن عدو الله إبليس يخاف منه، ولا يسلك طريقاً سلكه ابن الخطاب.
فقد جاء بإسناد حسن عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمة سواء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من إحدى مغازيه، فقالت إني نذرت إن ردك الله سالماً، أن أضرب عندك بالدف.
قال: إن كنتِ فعلتِ فافعلى، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي، فضربت فدخل أبوبكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب، ودخل عمر قال فجعلتْ دفّها خلفها وسكتت عن الضرب وهي مقنّعة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ليفرق منك يا عمر، أنا جالس ها هنا، ودخل أبوبكر وهي تضرب، ودخل غيره وهي تضرب.
فلما أن دخلت فعلتْ ما فعلتْ.
رحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد كان شجاعاً في الإسلام، لا يخاف في الله لومة لائم، عادلاً في الرعية، متواضعاً في نفسه، فقيهاً في أمور دينه، مجتهداً في تتبع الصحابة وحفظهم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً منه على الأمة أن تزل، مع حرصه على تتبع ما في صدورهم من القرآن، وقد اهتم العرب بسيرته وأخرج عنه المؤلفات، منها عبقرية عمر للعقاد، ومدحه الشاعر المصري حافظ إبراهيم بقصيدة قال منها في زهده مع أنه أمير المؤمنين:
لمّا اشتهت زوجه الحلوى فقال لها
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها
ما زاد عن قوتنا فالمؤمنون به
ما زاد عن قوتنا فلبيت المال ردّيها
لأنها أشعرت زوجها بتوفيرها من عطائهم وأعطته إياه ليشتري لها الحلوى فردها لبيت المال. وأخباره كثيرة، وسيرته اهتم بها المستشرقون وكتبوا عنه.