قال الزركلي في الأعلام: سعد بن الربيع بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج، صحابي من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة، وشهد موقعة بدر، واستشهد يوم بدر، في السنة الثالثة من الهجرة (الأعلام 4: 134).
وكان له مكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه ممن صدق في إسلامه، ووفى في جهاده، فكان في ذلك ممن صار من فقهاء الأمة، بمنزلته الرفيعة، وجلال قدره، وتبرز تلك المكانة في بعض المواقف:
فقد شهد بدراً مع رسول الله، وهؤلاء لهم مكانة لا يساويها مكانة، حيث مدحهم الله سبحانه بسبقهم وصدقهم، ويكفيهم مكانة ما قاله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة حاطب لأنه من البدريين، فقد كان حاطب بن أبي بلتعة قد بعث خطاباً لأهل مكة يخبرهم عن نية رسول الله بحربهم، فلما اطلع الله رسوله على الأمر، بعث علياً مع نفر للمرأة التي أخفت الرسالة في خصلة من شعرها، فتحمس عمر بن الخطاب، وطلب من رسول الله أن يأذن له بقتل رافع، فامتنع عن الإذن له، وقال له: وما يدريك، لعل الله قد اطلع على أهل بدر وقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
لما عزم المشركون غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتصاراً لهزيمتهم في بدر، كتب إليه عمه العباس بن عبدالمطلب، يخبره بخبرهم كله، وما دبروا في ذلك، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن الربيع بكتاب العباس، وما عزم عليه المشركون (طبقات ابن سعد 2: 37).
وقد اهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، سؤالاً ومتابعة، بعدما حل بالمسلمين ما حل، في غزوة أحد، حيث روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثني رسول الله يوم أحد أطلب الربيع، فقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول رسول الله كيف تجدك؟ فطفت بين القتلى فأصبته، وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة، فأخبرته، فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله، إن خُلِصَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيكم شفر يطرف، قال: وفاضت نفسه رضي الله عنه (سير أعلام النبلاء 1: 319).
وبعد أن قتل مع من قتل من الصحابة في أحد، كان ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم حكماً شرعياً، في أحوال الشهيد، في المعركة: أنه يدفن في موقع المعركة، وأنه يجوز اشتراكهم في قبر واحد كل اثنين، في قبر حيث جعل رسول الله سعد بن الربيع، وخارجة بن زيد في قبر واحد (طبقات ابن سعد 2: 44).
وبعد وفاته رضي الله عنه، حدث جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع رضي الله عنه، بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكمان إلا ولهما مال، قال صلى الله عليه وسلم يقضي الله في ذلك، فأنزلت آية المواريث، فبعث عليه الصلاة والسلام إلى عمهما، فقال: أعط بنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك، أخرجه أحمد والترمذي في الفرائض، باب ما جاء في ميراث البنات، فكان هذا حكماً شرعياً، يتلى في كتاب الله إلى يوم القيامة، ويرتبط في أسباب النزول بحالة بنتي سعد بن الربيع رضي الله عنه.
ويتمثل في سعد هذا نبل الوفاء والكرم، ووشيجة الإخاء وحب الأسرة، عندما آخى رسول الله بينه وبين عبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنهما، فيعبر عن دلالة الفهم العميق لهذه الأخوة إكراماً لرسول الله وطاعة لأمره، وصدقاً في التنفيذ براحة قلب، وطيب نفس، فيعرض سعد على عبدالرحمن أن يناصفه ماله، وأهله، وكان لسعد زوجتان، فيقول له عبدالرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق (أسد الغابة 2: 349).
ولئن قلّت الرواية عنه رضي الله عنه، فإن هذا لا ينقص من مكانته وعلمه، حيث ذكر ابن سعد في طبقاته، أن محمد بن عمر الأسلمي قال: إنما قلّت الرواية عن الأكابر، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم هلكوا قبل أن يحتاج الناس إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب لأنهما ولّيا فسُئلا، وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أئمة يقتدى بهم، ويحفظ عنهم، ما كانوا يفعلون، ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها، فكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثاً عنه من غيرهم، مثل أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن الربيع ونظرائهم، لم يأت عنهم كثرة في الحديث، مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل جابر بن عبدالله، وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهم ممن يعد من فقهاء الصحابة، فكانوا يَلزَمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع غيرهم. فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم، واحتاج الناس إليهم، ومضى كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبله وبعده، بعلمه لم يؤثر عنه بشيء، ولم يُحتج إليه لكثرة أصحاب رسول الله (الطبقات 2: 376).
وسعد بن الربيع رضي الله عنه من أولئك النفر الذين ذهبوا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعلمهم قبل أن يحتاج إلى ما عنده الناس، لأن ذلك الوقت، وقت الأخذ والتحصيل.
قال عنه ابن الأثير: سعد بن الربيع بن عمرو الأنصاري، الخزرجي عقبيّ بدري نقيب كان أحد النقباء الأنصار، قال عنه عروة وابن شهاب وموسى بن عقبة، وجميع أهل السير أنه كان نقيب بني الحارث بن الخزرج، هو وعبدالله بن رواحة، وكان كاتباً في الجاهلية، شهد العقبة الأولى والثانية، وقتل يوم أحد شهيداً، وقد ترحم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدما جاء أبي بن كعب ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بما قال سعد بن الربيع وهو في الرمق الأخير بما أوصاه به، أن يقول للأنصار في المحافظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفاع عنه، وأنه لا عذر لهم عند الله، إن خلص إليه صلى الله عليه وسلم، وفيهم عين تطرف، فقال صلى الله عليه وسلم: رحم الله سعداً، نصح لله ولرسوله حياً وميتاً (أسد الغابة 2: 349- 350).
قال ابن قدامة: مسألة وإن حمل حمل شهيداً وبه رمق، وغسل وصلي عليه، وقد استدل بحالة سعد بن معاذ الذي نقله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيمة في المسجد، ثم قال: والصحيح التحديد بطول الفصل، أو الأكل، لأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة، وطول الفصل يدل على ذلك، وأما الأكل والشرب وحالة الحرب، فلا يصح التحديد بشيء منها لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ فقد دخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم، ادفنوهم بدمائهم وثيابهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، وقد تكلم سعد وأصيرم بني عبدالأشهل، وماتا بعد الحرب (المغني 3: 472 - 473).
وفي قصة ميراث البنات، التي حصلت لبنتي سعد بن الربيع، رضي الله عنه مع عمها، حيث نزل في ذلك آية من كتاب الله، كان للفقهاء في المواريث، استدلال قوي، حيث أورده ابن قدامة في ثلاثة مواضع، فقد قال: وأجمع أهل العلم على أن فرض الابنتين: الثلثان، إلا رواية شذت عن ابن عباس: أن فرضهما النصف لقوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين، فلهنَّ ثلثا ما ترك) (النساء: 11).
فمفهوم أن دون الثلاث ليس لهما الثلثان، والصحيح قول الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لأخي سعد بن الربيع (أعط ابنتي سعد الثلثين، ثم قال: وفي الجملة حكم قد أجمع عليه، وتواردت عليه الأدلة التي ذكرناها كلها، كما أجمع أهل العلم على بنات الصّلب متى استكملن الثلثين، سقط بنات الابن، ما لم يكن بازائهن، أو اسفل منهن ذكر يعصبهن، وذلك لأنه تعالى لم يفرض للأولاد، إذا كانوا نساء إلا الثلثين، قليلات أو كثيرات، وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء، من الأولاد.
وقد ذهب الثلثان لولد الصّلب، فلم يبق لهن شيء، ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب، لأنهن دون بدرجتين.. (المغني 9: 12).