تبنى الأمم بسواعد مبدعيها وتقوم الحضارات على بناء الإنسان، وتتسابق الأمم في استثمار طاقاته، فهو الاستثمار الحقيقي والرابح في سباق الإنسانية المطرد نحو التقدم والتميز وصنع الحضارات الخالدة، ولعل الشخصية المطمئنة التي غذيت بالجمال وتقديره والمتزنة في لغة تعبيرها هي الأكثر بناءً وانتماء لمجتمعها وأقل تطرفاً وعنفاً، والأساس في كل هذا البناء للإنسان هو التربية والتعليم فهي اللبنة الأولى في بناء شخصية الفرد التي تتكون منها المجتمعات وتبدأ من المنزل حتى تصل إلى الشكل الرسمي والعلمي في المدارس والجامعات وجميع المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة.
وبالنظر إلى التغذية الجمالية والفنية في التعليم المحلي فإننا نجدها غائبة أو مفقودة، وربما تأتي على استحياء في حصص التربية الفنية التي فقدت كثيراً من أهدافها وأدوارها وفُرغت من محتواها كمادة بناءة وخلاقة وصانعة للإبداع وتقدير الجمال، وأصبحت تقدم بشكل لا يخدم شيئا من قيمها رغم إعداد مقررات حديثة للتربية الفنية ولكن النظرة السطحية للفنون بشكل عام والتربية الفنية بشكل خاص جعل منها مادة هامشية، فلا إعداد معلم بشكل جيد ولا دورات تدريبية ولا توفير خامات ومقرات لممارسة أبسط الأنشطة الفنية ولا محفزات للطالب ولا إيمان من المجتمع التربوي بدور الفنون في تربية النشء وهو ما أثر سلباً على الفنون وتقليصها بشتى أنواعها في التربية والتعليم, وليس ذلك فقط ولكن حتى الأنشطة المدرسية بمجالاتها المختلفة غُيبت عنها الأنشطة الفنية والمسرحية فلا مجال للمسرح المدرسي بالأنشطة ولا مشرف نشاط فني بالنشاط الطلابي وبشكل مجمل لا أعتقد أن التربية الفنية والفنون بشكل عام في تعليمنا عاشت فترات أسوأ من فترتنا الحالية من تهميش وغياب وشتات، ولكن أعتقد جازما أن الحال لن يستمر، والأمل يتجدد بالوزير الفنان أمير الكلمة واللون بأن يكون هناك التفاتة حقيقية للفنون وتدريسها في التعليم بشكل منهجي ومدروس ولا يتعارض مع القيم والمبادئ ويبني جيلاً يؤمن بالجمال وقيمه، وليس ذلك لأن الوزير الفنان يملك عصا سحرية يتحول فيها الوضع بين يوم وليلة ولكنه عاش الفن بوجدانه وأنتجه بإحساسه فقدره حق تقدير، وسيحقق -بإذن الله- تطلعات الكل بأن ينصف الفنون في تعليمنا ويعطيها شيئا من اهتمامه، ويجعل وجودها على شكل فعل مؤسساتي مبني على إستراتيجية صحيحة ومستمرة، فتغييب الفنون عن تعليمنا أمر مقلق ويخرج جيلا قلقا لا يؤمن بالجمال ولا يمارسه حتى في أبسط تعاملاته، فالفنون هي لغة تعبير صادقة وفعل إنساني راق يبعث الأمان, ومجتمع لا يقدر تراثه وإرثه الفني الهائل ويعتمد في توثيق فنونه ودراستها وتطويرها على مجتمعات أخرى لتصدره لنا بشكل مشوه أو منقوص وموجه فهو مجتمع منقوص ويحتاج إلى الكثير من البناء...
نافذة أخيرة:
بناء الجمال يبدأ بإنصاف المعلم الفنان...