شكل الراحل ضيف الله القرني -رحمه الله- جزءاً هاماً من ذاكرة التشكيل السعودي رغم قصر الفترة التي قضاها في الحياة حيث غاب عنها وهو في عمر لم يتجاوز السابعة والعشرين، إلا أن منجزه غني وثري ومتنوع، فمن ممارسة للعمل التشكيلي قُدمت في العديد من المشاركات الجماعية, وفي ثلاثة معارض شخصية, وجهز للرابع قبيل وفاته وأقيم بعد وفاته بشهر، إلى رؤى وفلسفة تشكيلية, والعديد من القراءات والكتابات النقدية والتحليلية في الصحف المحلية والتي شكلت وعي تلك الفترة، حيث ودعته الساحة في عام 1416هـ تاركاً وراءه محبيه وإرثاً فنياً تجاوز عمره الزمني بمراحل، فعلى مستوى المقالات الفنية قدم عدداً من المقالات في الصحف المحلية بها من الثقافة والوعي والمعلومات الغنية والمتجددة, والتي تثري قارئها, وتتجاوز به حدود الزمن التي نشرت فيه, بل إنها تعد وثائق وعي وإبداع القرني, وفي مستوى آخر نجده يقدم نقداً للواقع التشكيلي, ولعدد من التجارب والأعمال التشكيلية في حينه إما بشكل ساخر, أو بشكل عميق وجاد, ومن العناوين الخالدة لمقالاته (التشكيليون.. وسقوط الأقنعة عن زبد الشك).. (حلقة خضار في ألبوم تشكيلي).
أما على مستوى القراءات التحليلية والناقدة فقدم الكثير من القراءات العميقة والتحليلية لعدد من الفنانين والتجارب التشكيلية والمعارض, كما كان للقرني حضور في النقاشات الفنية والحوارات والجدل من خلال الندوات والمحاضرات التي كان يحضرها أو يشارك فيها, وحتى في الكتابات الصحفية فالجدلية التي استمرت لفترة بينه وبين الناقد المصري محمد كمال في إحدى الصحف المحلية أظهرت تمكنه وثقافته العالية في ردوده، وبشكل مجمل تميز في حواراته وطرحه النقدي والتشكيلي بثقافة عالية, وقدرة على التجديد والطرح المتجاوز لسنه وزمنه, ويتضح ذلك جلياً من تأسيسه لجماعة تشكيلية بمسمى ذاكرة المربع, وكان هو منظرها وصانع فكرها, أما على مستوى المنجز التشكيلي فقد كان القرني مهتماً ومغرماً بالحرف العربي وتشكيلاته سواء بحالته القاعدية أو التجريدية, وأبدع في تشكيلاته الخطية واللونية, وكان خطابه التشكيلي موازياً لخطابه النقدي, ويسيران بوعي وإبداع.
كل هذا وأكثر قدمه الراحل في سنواته القصيرة من عمر الزمن والطويلة في عمر المنجز, ولكن لم يكن لهذا الإرث الفني أن يحصر ويوثق لولا جهود ابن أخيه عبدالله القرني الذي عاصره في كثير من حياته, وبعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من رحيله أصدر كتاباً عنه بعنوان (ضيف الله القرني سيرة وإبداع) وعلى نفقته الخاصة.
والسؤال الذي يبقى أين جهود المؤسسات الصحفية والثقافية التي كان ينتمي لها الراحل, أو حتى الجامعة التي كان يدرس بها؟ ولماذا تخاذل بعض أصدقائه عن أبسط أدوارهم حتى في المساعدة على توثيق شيء من أرث الراحل وفضله عليهم؟.