يبدو أنّ تحمّل أثقال المسؤوليات، وتوالي المفاجآت غير المحسوبة، وتعاقب النكسات المحبطة يفقد المرء طعم الاستمتاع واللذة، أو هكذا أدعي!
وقد يأتي على الإنسان حين من الدهر ينسى فيه نكهة السعادة، وتتوارى عن عينيه مراكب الفرح، لكنه عندما يتذكر ضحكات الطفولة وينصت لجلبتها ويرنو لبراءتها، ويقرأ أسفار المتفائلين أو يشعر بخفق مشاعرهم؛ تعاوده نشوة المتعة ويتيقن بأنّ هناك من يجيد فنون الفرح بطريقته وينشرها بأسلوبه، ويمارسها بحرفية متناهية.. وفي حين يزعم المرء أنه ليس ثمة ما يحرك مكامن السعادة في قلبه، فبالمقابل لا شيء يمكن أن يجلب له التعاسة حتماً. فما لجرح بميت إيلام!! ومن يوجعه البؤس؛ قطعاً ستحرك قلبه نسمات السعادة من أي مصدر كانت!!
وسعيدٌ من يترك الطمع جانباً ويشيح بوجهه بعيداً عن الطموح الوهمي. وعندها ستبدأ رحلته بالتصالح مع الزمن بعد أن تطيب النفس من مغريات الذات، وتسكن عن بهرجة الحياة!
كثيرون يتوقعون أن يكون لتقدم السن وتراكم الخبرات وحلول الحكمة تقدير عند الزمن، فلربما يعوضهم ويجبر خواطرهم ويداوي جراحهم، ولكن هيهات!! فالزمن ليس ثمة ما يمنحه سوى إسباغ الرضا! ويرى أنها هبة عظيمة، وهي كذلك حينما يتمكن المرء من خلاله العيش راضياً بحياته، قانعاً برزقه، منسجماً مع واقعه..
وما الرضا والقناعة سوى ألا تحمل لأحد انتقاصاً ولا حسداً، وتسعد بنجاحات الآخرين قناعة منك بأنهم يستحقونها، وتحزن على إحباطات المجتهدين، وتشارك البكاء أولئك المكلومين. وتنتفض على التذمر، وتنقلب على السخط ، وترفض كل أشكال الاستياء، وتلغي تساؤلاتك المريرة: لماذا ؟ وكيف ؟ وإلى متى ؟ فلا تنتظر إجابة، وتقنع بأن كل هؤلاء البشر متساوون في الحظ من الدنيا، ومتكافئون في النصيب منها، متعادلون في المصير الحتمي!! فلن ينجو أحد قط من إطباق فكيها، ولن يخلص من شرورها، كما لم ولن يسلم من قسوتها، وبالمقابل فإن كل واحد من البشر قد أخذ طرفاً عادلاً من نعيمها، وتذوق طعماً لذيذاً من شهدها، وتبسم ضاحكاً من سعادتها، وتعجب مندهشاً من مفارقاتها، ولا أجد نفسي إلا مقتنعة بهذه المحصلة النهائية، أو هكذا أزعم!
أسفار من الحيرة والتأمل نودع بها عاماً حافلاً بالأحداث، مخضلاً بالمفارقات!!