فيما ينتظر الناس نتائج التحقيقات في سيول جدة وما نتج منها من وفيات وأضرار، ويطالبون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمعرفة المتسببين ومحاكمتهم، تدخلت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان لتطالب ـ بدورها ـ بعدم التشهير بأسماء الأشخاص المفسدين الذين يتم اتهامهم! وبرر د. مفلح القحطاني رئيس الجمعية ذلك بما يتركز عليه مفهوم التشهير في المملكة، وأنه لا يقف على الأشخاص المفسدين وإنما يطول عائلاتهم وأولادهم وحتى قبائلهم.
والحق أن سبب التمادي بالفساد والآثار المترتبة عليه هو التهاون مع المفسدين والمبالغة بالستر عليهم! فطالما كان الشخص مهتماً وحريصاً على سمعته ومكانته الاجتماعية ووضع أسرته وعائلته سيفكر مرات عدة قبل ممارسته الفساد، بل إن التشهير هو أكبر قامع للفساد في ظل وضع اجتماعي تساوي فيه السمعة الحياة لدى الناس!
وقد عمدت وزارة التجارة مؤخراً للتشهير بالأشخاص الذين يحررون شيكات من دون رصيد عبر الصحف الرسمية وعلى حسابهم، وهذا بدورها حتماً سيُحد من تحرير الشيكات دون وجود رصيد كاف يغطي المبالغ المكتوبة بعد أن وصلت مبالغ الشيكات (المضروبة) لمليارات الريالات، وتضرر كثير من الناس بسببها، وهي أحد وجوه الفساد. وأكاد أجزم بتناقص كتابة الشيكات دون رصيد، بل انتفائها بعد مرور عام واحد على استمرار التشهير.
ولا أحد ينكر تسبُّب التشهير في كسر نفوس من ينتمون للمفسد، ويشعرهم بالحرج والأذى نتيجة فعل والدهم أو قريبهم، لكننا لا نغفل أن التشهير هو في الأصل قانون رباني ورَد في قوله تعالى {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}؛ حتى يكون زاجراً لمن تسول له نفسه القيام بالفعل ذاته أو شبيه به!
وكان جديراً برئيس جمعية حقوق الإنسان ـ بدلاً من إغداق الحنان والشفقة على المفسدين ـ السعي للتعريف بمفهوم الفساد ومخاطره على الفرد والمجتمع، وأنه أكبر تحدٍّ للتنمية ومعرقل لها، والقيام بالتنبيه لضعف الأنظمة في الإدارات الحكومية وما يؤدي إلى تأخير عجلة التنمية وتعطيل مصالح المواطنين، إلى جانب أن الفساد يهدم اقتصاد أي بلد، ويهدد استقراره، وينشر المظالم، ويضيع الحقوق.
ولا شك أن قرار إنشاء هيئة مكافحة الفساد جاء متناغماً مع رغبة خادم الحرمين في التصدي للفساد واجتثاثه ومحاسبة الفاسدين؛ لينعم الناس بالعدالة، وتُحفظ حقوقهم!
ألا فشهروا بالفاسدين، ولا تأخذكم بهم رحمة!!