مرّت بلادنا بسنوات من الهدوء في المجال الرياضي أشبه ما تكون بالانصراف عنها بكامل أنشطتها، وتبعاً لذلك أفلَ وهج التشجيع الجماهيري.. وهذا بحد ذاته شكَّل حالة من التوجس والريبة! بما يشير لصدود الشباب عن النشاط الرياضي والانشغال بشأن آخر قد لا يكون خيراً بل يحمل السلبية.. والحكيم يدرك ضرورة إشغال الشباب بما يملأ وقت فراغهم حتى لو بالتشجيع للنوادي الرياضية وإشعال روح المنافسة بينهم! ولكن ما يحصل حالياً من تعصب رياضي يُخشى من عواقبه الوخيمة وإحداث فُرقة وفجوة بين صفوف المجتمع، حيث بدأت تظهر حالات متطرفة في التشجيع الرياضي، وهي لا تقتصر على بلادنا فحسب، بل هي آفة موجودة في جميع بلدان العالم!.. ولعل الكثير يتذكر حصول كوارث بشرية مفجعة في مباريات كروية أوروبية وعربية بسبب التعصب الرياضي وأدت إلى وقوع العديد من الضحايا وتخريب المنشآت وفَقْد الأموال.
وتصل حالات التعصب إلى مدح اللاعبين والإداريين في نادٍ ما، وبالمقابل ذم إدارة ولاعبي النادي الآخر، وغالباً ما يحصل التعصب بسبب التصريحات النارية من لدن مسؤولي الأندية الرياضية أو لاعبيها، وكثيراً ما تشعل تلك التصريحات الرأي العام الرياضي ويقابلها تصريحات مضادة وأشد حدة من قِبل مسؤولي الأندية الأخرى، وهذه بدورها تؤدي إلى إثارة الجماهير والتعصب الأعمى! والطريف اللجوء لمفسري الأحلام الذين أصبحوا يستبقون نتائج مباريات النوادي، فيعلنون فوز أحدها على الآخر وتحديد عدد الأهداف!!
ومن العجيب أن مساحات كبيرة في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة أصبحت تسقي جذور التعصب من خلال تبني وجهات نظر متضاربة وإشعالها، وصار من المألوف أن يظهر لاعب يتحدى ويهدد ويتوعد، وآخر يقلل من إمكانيات الغير ويحتقرها عدا عن ممارسة الشتم أو القذف أو النقد الجارح الذي ربما يصل إلى الإيذاء النفسي والبدني!
ورغم أن الرياضة عموماً تُعد متعة بريئة ترتقي بالنفوس وتسمو بها، كما أن مشاهدة كرة القدم تمنح متابعيها الاستمتاع والإثارة، إلا أن التعصب الكروي يُولِّد الخصام أو الشجار مما يفقدها هذه الميزة، بعكس التشجيع البريء الذي يعني الوفاء للنادي ومساندته معنوياً.
والحق أن المسؤولية تقع على بعض الصحف بأقسامها وملاحقها الرياضية، وكذلك معدّي البرامج التلفزيونية الذين ينبغي عليهم تعزيز الروح الرياضية ووجوب سيادة مفهوم الثقافة الرياضية بتأصيل الانتماء لمنتخب الوطن أولاً، وللنادي ثانياً بما يجعل للمنافسة مكانة، وللعب النظيف أهمية وشأناً!