هناك مقولة تجمع بين الطرافة والصحة، وهي أن من يمسك مطرقة فسيرى كل شيء كمسمار!
ظهر هذا المثل في الستينات الميلادية من القرن الماضي عندما نشر العالم النفسي إبراهام كابلان كتاباً وكان مما قال فيه: «إنني أسمّيه قانون الأداة، ويُصاغ كما يلي: أعطِ طفلاً مطرقة وسيجد أن كل شيء يحتاج طرقاً». وظهر المثل بعدها بصيغته الحالية على لسان الفيلسوف إبراهام ماسلو لما قال في أحد كتبه: «أظنه من المُغري أنْ تُعامل كل شيء كأنه مسمار إذا كنت تحمل مطرقة في يدك». يُضرَب هذا المَثل ليصف الشخص الذي لديه أدوات محدودة وتفكيره محصور في شيء واحد فسيعامل كل شيء من هذا المنظور، وهذه من المقولات التي يؤيدها العِلم في بعض أوجهها، فمثلاً وجدت تجربة صَنَعَتْها جامعة نوتردام عام 2012م أن الذي يحمل مسدساً يزداد شكاً ويظن أن غيره من الناس يحملون مسدسات، وهو تغيير فوري في النفسية البشرية لم يصنعه إلا وجود المسدس في اليد، والمقولة الشهيرة «الكل ينظر للناس بعين طبعه» تنطبق هنا بحذافيرها، فلاحِظ سهولة تغيّر النظر والتفكير عند تغير عوامل بسيطة تبدو حتى تافهة لا قيمة لها مثل هذه.
هذه تُظهر أن البشر يصعب عليهم أن يفرّقوا بين الواقع المجرد وبين نظرتهم الشخصية لهذا الواقع مهما كانت نظرتهم خاطئة أو واهمة، فهؤلاء الذين شاركوا في التجربة كانوا يشاهدون صور أناس ولا يرون فيهم شراً أو تهديداً، ولما شاهدوا الصور وهم يحملون مسدسات ارتابوا في بقية البشر وأوجسوا منهم خيفة، وكان هذا هو العامل الوحيد الذي ثَبَت مع تغيير العوامل الأخرى مثل جنس ولون وهيئة الناس الذين في الصور، فلم يؤدِّ هذا إلى ارتياب المشاركين في صور الناس هؤلاء، بل إن جزءاً من التجربة جعل المشاركين يشاهدون مسدساً قريباً وحتى هذا لم يؤثر كثيراً، بل إن حمل المسدس والإمساك به هو الذي صنع الفرق، وهذا يتوافق مع تجارب أخرى أكّدت أن البشر ينظرون للواقع نظرات متباينة رغم أنه نفسه، فدراسة مثلاً أظهرت أن ذوي الأكتاف العريضة يشعرون أن الأبواب أصغر مما هي، والمحترفون ذوو المهارات العالية من لاعبي البيسبول يشعرون أن الكرة أكبر مما هي فعلاً، ولهذه الدراسة معنىً مهم وهو أن الشخص قد يكون من النوع الهادئ وغير العدواني بطبيعته ولكن مجرد حمله لمسدس يجعله أكثر عِرضة أن يستخدمه، والمشكلة أن الكثير من المواقف التي أُطلِق فيها النار لم تكن تحتاج ذلك وإنما تداخَل الغضب مع الارتياب في الغير وصنع الكثير من المآسي.