من يتابع وسائل الإعلام الغربية سيلاحظ فوراً التحيز الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وهو تحيّزٌ يتخفّى تحت ستار الموضوعية والحياد، غير أن هذا الظلم ليس جديداً وإنما هو قديم ويوجد حتى في المناهج الدراسية الغربية، وهذه وضّحها الكاتب مارك غراهام في كتابه الرائع «هكذا صنع الإسلام العالم الحديث» والذي رأيناه منه قطفات في هذه الزاوية سابقاً، منها ما ذكره الكاتب عمّا قدمه المسلمون للطب وهو شيء كنا نمتاز فيه في العصور السابقة، ومن ذلك أن علم الصيدلة ازدهر في العالم الإسلامي وتطور، وافتُتِحت أول صيدلية رسمياً في بغداد في القرن التاسع الميلادي، ولم تكن الصيدليات عبثاً بل يقوم عليها مختصون متعلمون وكانت الدولة تعطيهم الترخيصات والاختبارات والتفتيشات، وبدأ المسلمون يقدمون للعالم الأدوية الجديدة ومن أشهر خبراء النبات والصيدلة ابن البيطار والذي وضع كتاباً بعنوان «الجامع لمفردات الأغذية والأدوية» سَجّل فيه 1400 نوع من الأدوية منها 300 اخترعها ولم يرها العالم قبل هذا. وبما أن بعض النباتات مرة المذاق أزال المسلمون مرارتها بخلطها مع السكر والفاكهة، وقارِن هذا مع شراب الكحة اليوم الذي يحب الأطفال طعمه اللذيذ، وكلمة syrup عربية الأصل وهي التي تُسمّى بها هذه الأدوية وأتت من كلمة شراب.
رأينا سابقاً أن المسلمين هم من اخترعوا المستشفى وكان يُسمّى المارستان، ولم يكن المارستان مكاناً للعلاج ووصفات الأدوية فحسب بل كان مدرسة طبية، فكان رئيس المستشفى يحاضر يومياً عن أهمية النظافة الشخصية وعن معلومات طبية بينما يتولى طاقم المستشفى عمليات التمريض وما إلى ذلك. كنّا روّاد العلم الطبي، وأضخم المكتبات الطبية في العالم وُجِدَت في العالم الإسلامي وتحديداً في بغداد ودمشق والقاهرة، وأنشأ المسلمون مكتبة في الأندلس عام 348هـ فيها آلاف المجلدات من العلم والمعرفة التي لم يُقبِل عليها الأوروبيون إلا بعد 3 قرون.
عودة إلى المارستان، كيف كانت المستشفيات من الداخل؟ كما هي اليوم: مقسّمة حسب الداء، فقسم للجرحى وقسم لأمراض العين وقسم للمحمومين وهكذا. واستناداً للشريعة فلم يكن هناك اختلاط بين الجنسين فهناك قسم للنساء وقسم للرجال، والقسم النسائي كانت له ممرضات بل وطبيبات. وكأن هذا كله لا يكفي فقد كان المستشفى مكيفاً بنوافير من الماء البلّوري. وقت هذا التطور الطبي كان المريض بالقرحة في أوروبا يتلوى أرضاً من الألم وهو يستغيثُ راهباً أن يدعو الرب ليُذهِب ما به.
أحد أكبر أطباء أوروبا اسمه رولاند البارمي وأحيا علم الجراحة في أوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي لما نشر كتابة باسم «الجراحة» في إيطاليا، وحوى الكتاب عدة رسمات توضيحية. ما يثير الانبهار في كتابه رسمة للعالم اليوناني الشهير أبقراط الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد و لُقِّب بأبي الطب والذي لا زال الناس يدرسون كتاباته وعلمه وهو من أكثر الشخصيات الأوروبية تأثيراً في البشرية، فكيف رسمه رولاند في كتابه؟ الأوروبي رولاند رَسَمَ الأوروبي أبقراط مرتدياً لباساً عربياً وعمامة! لقد برع المسلمون في الطب والعلم حتى صار الأوروبيون لا يستطيعون أن يتخيلوا أجدادهم إلا في لباس المسلمين من شدة هذا الاقتران.