انتشرت التقنية الآن انتشاراً واسعاً، وصار حتى الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الثانية أو الثالثة من عشّاق الحواسيب والأجهزة الرقمية الجديدة وصاروا لا يخرجون كثيراً للَّعِب في الشارع كما كان الأطفال سابقاً يصنعون، وهذا له منافع ومساوئ، فأما المساوئ فمنها قلة الحركة والرياضة وكذلك إضعاف القدرات الاجتماعية التي لا تأتي إلا بمخالطة الناس والكلام معهم، وأما المنافع فمنها أن الطفل صار على الأقل بمأمن من السيارات، وكانت السيارات من أكبر مخاوف الآباء والأمهات وحذّروا أطفالهم منها كثيراً، والذي يلعب أو يجري أو يعمل في الشارع بلا حذر فلا شك أنه سيكون في خطر من سيارة تقتله أو تصيبه سواءً كان طفلاً أم بالغاً، فالحذر لا بد منه دائماً للصغير والكبير سواء، وهذا ينطبق علينا في هذا العصر كما ينطبق على البشر الذين عاشوا في أول زمن ظهور السيارة، فهذه الأيام اعتدنا رؤية السيارات ولا شك. صرنا نحذر منها قدر الاستطاعة إذا كنا مشاة، ونجا الكثير من الناس من سيارات آتية تجاههم بسرعات عالية، والإنترنت تحفل بهذه المقاطع المرئية التي نرى فيها أناساً كأنهم على موعد محقق من الموت وسيارة تنحرف تجاههم بسرعة عالية، إلا أن الماشي يقفز أو يهرب ويتفادى أن يُقتَل أو يصاب، لكن ماذا فعل الناس في أول أيام السيارات لما ظهرت؟
اعتاد الناس منذ بداية خلق البشر رؤية الحيوانات كالخيول والحمير وكانت السيارات عندما ظهرت شيئاً جديداً لم يتقنوا طريقة التعامل معه، ومن القصص التي تُبيِّن هذا هي قصة البريطانية بريجيت دريسكُل التي صدمتها سيارة عام 1896م، فكانت قد تَرَكَت بيتها متجهة لاحتفال شعبي أقامه البعض، وفي الطريق أتتها سيارة وضربتها وأصيب رأسها، وتوفيت بريجيت بعد الحادث بدقائق. لماذا لم تتفادَ السيارة وتهرب؟ ربما لأن السيارة كانت تسير بسرعة عالية تبلغ ....ستة كيلومترات في الساعة! هذا الأمر الغريب، فالسيارات كانت في بدايتها وكانت غير قادرة على سرعات عالية كما السيارات في هذا الزمن، ومع ذلك لم تعرف المرأة ما تصنع، فترددت وأبطأت حتى كان في السيارة حتفها، رغم ذلك البطء الشديد!
وهذا البطء يمتد لأشياء أخرى في عالم السيارات لمّا ظهرت، ففي نفس السنة حرّر ضابط شرطة أول مخالفة سرعة في التاريخ، وذلك ضد والتر أرنولد، فهذا الرجل اجتاز السرعة القانونية في أحد الشوارع والذي سرعته القصوى المسموح بها 3كم/س، بينما كانت سرعة المخالِف 13كم/س! لاحقه الشرطي على دراجته وأعطاه المخالفة.
هكذا كانت السيارات آنذاك، متواضعة ليس في قدراتها فقط بل حتى في مخالفاتها المرورية!