نشر موقع أرقام خبراً عن إصدار كلية إدارة الأعمال الدولية «إينسيد» أول مؤشر يقيس تنافسية الدول بالعمالة الموهوبة بالشراكة مع معهد قيادة رأس المال البشري السنغافوري وأديكو واسمته أختصارا «جي تي سي اي» ويغطي المؤشر 107 دول تمثل 86% من سكان العالم وتمثل 96% من الناتج الاجمالي العالمي.
ولم يكن مستغرباً أن تهيمن الدول الأوروبية على المراكز الأولى بالترتيب العالمي، حيث جاءت سويسرا بالمرتبة الأولى عالمياً بينما لم تحصل أي دولة عربية على أي مركز متقدم باستثناء دولة الإمارات التي جاءت بالمركز 19 عالمياً وقد جاء ترتيب السعودية في المرتبة 42 أي بالمراكز المتوسطة ومن المهم ذكر أن التنافسية التي يعتمد المؤشر معاييرها هي إنتاج العمالة الموهوبة وجذبها وتوطينها.
وكنت قد كتبت مقالاً قبل أيام بعنوان بيروقراطيتنا وهجرة العقول والذي أوضحت فيه أن الأنظمة التي من خلالها تعطى المزايا للكوادر البشرية الوطنية بحسب تصريحات رسمية طاردة لتوطين العقول، إلا أن اللافت بهذا المؤشر العالمي وإن كان جديداً ولا يمكن اعتباره معياراً دولياً ذا قيمة عالية الآن لحداثته إلا أنه يبقى مرشداً أيضاً لجوانب أخرى من ضعف تنافسيتنا على رفع مستوى إنتاج وجاذبية العمالة الماهرة والموهوبة لسوق العمل المحلي.
وإذا أخذنا تصريح عميد الكلية التي تبنت إطلاق المؤشر بأن هناك تبايناً بين ما تطلبه الشركات ومخرجات التعليم والتأهيل على المستوى الدولي إلا أن هذه الفجوة على المستوى المحلي يجري العمل على إغلاقها من خلال الانفاق الضخم على التعليم والتدريب وإن كانت النتائج مازالت أقل من التوقعات إلا أن إمكانية الإصلاح والتطوير ممكن أن تتسارع بوجود كل الإمكانيات المادية للجهات التعليمية لكن الملفت هو استقدام العمالة الوافدة التي لا يجب أن تستقدم إلا بمستوى كفاءة وخبرة ومؤهلات عالية.
فبالاستقدام لك الحرية المطلقة بانتقاء الأفضل عالمياً ومع قوة الإنفاق الحكومي وحجم المشروعات الضخم بالاقتصاد الوطني وكذلك وضع اقتصاد المملكة القوي عالمياً من حيث الإنفاق والاحتياطيات المالية إلا أننا لم نستفد كثيراً على ما يظهر من أرقام ومؤشرات باستقدام العمالة الأمهر من الخارج، رغم أن الأزمة المالية العالمية أعطت فرصة كبيرة لاستقطاب أفضل العمالة من الدول التي دخلت بركود حاد وتعد من الافضل بمستوى مهارة عمالتها سواء بأوروبا أو أميركا وآسيا ودول عربية عديدة.
ويبقى السؤال الأبرز، ما الذي منعنا من تبوء مركز متقدم بجذب أكثر العمالة مهارة؟.. هل هو غياب أنظمة تحدد معايير خبرة العمالة المستقدمة؟.. أو أنها موجودة ولكن غير مفعلة؟.. أو أن سوقنا بمزاياه غير جاذب لأفضل العمالة تدريباً وتأهيلاً ؟.. ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال لابد أن نتذكر تصريحات منسوبة لوزارة العمل بأنها بصدد وضع معايير تمنع استقدام عمالة متدنية الكفاءة، خصوصاً إن حملة تصحيح أوضاع العمالة الأخيرة كشفت عن مستوى مفزع بإمكانات متواضعة لنسبة كبيرة منها، إذ بلغت نسبة الأميين منهم ما يفوق الثلثين، بخلاف ضعف المؤهلات، وكذلك نسبة متدنية لمن يحملون مؤهلات علمية عالية، ورغم أن المملكة تستقدم العمالة منذ عقود، إلا أنه لا توجد ضوابط مرموقة تحد من استقدام عمالة متدنية الكفاءة, مما جعل سوق العمل بالمملكة اقرب للتدريب لها.. وهذا بدوره مؤشر سلبي يعكس حجم الخسائر الاقتصادية، إذ إن تدني جودة العمالة بنسبة كبيرة أدى إلى هدر مالي ضخم نتيجة تنفيذها للأعمال بطريقة سيئة يعاد إصلاحها أو ترميمها بعد فترة قصيرة، وكذلك دفع أموال لها كمرتبات أو أجر عن أعمالها التي لم تكن أكثر من تدريب لها نتيجة ضعف خبرتها، وهذا الضعف بمهارة العمالة الوافدة يكشف أحد أسباب تأخر تنفيذ المشروعات أو تعثرها أو ضعف جودة التنفيذ الذي ظهر بعدد من المشروعات الحكومية والخاصة بعد تسليمها بفترة قصيرة، وحتى بكفاءة من يتولون الإشراف عليها.
إن تطوير وإصلاح سوق العمل محلياً يتطلب التركيز على رفع الكفاءة، وذلك بتحسين مخرجات التعليم والتدريب محلياً بسرعة كبيرة، وكذلك وضع ضوابط صارمة لمعايير كفاءة العمالة المستقدمة، وأيضاً تغيير بالأنظمة التي تحد من جذب العمالة الموهوبة الوطنية بتاهيلها بمستوى مناسب، ووضع محفزات مالية وأنظمة تعطيها الاستقرار والدافع لتطوير إمكاناتها وكذلك العمالة الوافدة بالمعايير التي لا تسمح إلا باستقدام عمالة جيدة، والإغراء بالأجور المناسبة والأنظمة المحفزة لجذبها. فإذا كان البعض يرى أن رخص الأيدي العاملة يرفع من الربحية، فإن الخسائر التي تتحقق بالاقتصاد بسبب رداءة خبرتها أكبر بكثير من أجور مرتفعة لعمالة موهوبة وماهرة.