في الحوارات التي أجراها الإعلامي داود الشريان كانت الصدمة متفاوتة بين المجتمع، فهناك من يعرف هذا التيار وأفكاره، ويدركه جيداً، إما بوجوده -رغما عنه- بين نماذج منه من بين أقاربه، أو بين زملاء دراسته أو عمله، لذلك كانت الصدمة مخففة، فقد مر على بعضنا لقاء أفراد يحملون مثل هذا التفكير المتطرف، حتى وإن تفاوتت درجة التكفير!
أما القسم الآخر من المجتمع فقد كان مصدوماً مما شاهد في هذه اللقاءات الغريبة، وهو لم يتوقع أن يصل الحال بالبعض كما وصل بهؤلاء، من رفض للدولة، ولكل من يعمل في الدولة، وللتعليم بكافة أشكاله، حتى في مدارس تحفيظ القرآن، وتكفير كل هؤلاء، ورفض حتى العلماء الذين لا نقبل أن يمسهم أحد بسوء، كالشيخين ابن باز، وابن عثيمين، رحمهما الله، واتهام كل العلماء بأنهم علماء السلطان، بمعنى رفض كل مظهر من مظاهر الحياة وتطورها، حتى على مستوى القراءة والاطلاع، رفض أي كتاب جديد، واتخاذ موقف ضده، حتى قبل قراءته، وكأن ثمة خوف من التأثر بهذه القراءات الجديدة، وربما المخالفة مع هذا الفكر، وبالتالي يخشى بعض هؤلاء التنازل عن موقفه وأفكاره! وهو الأمر الذي كشفه أحد الموقوفين الثلاثة، من أن هناك بعضهم يود التراجع عن أفكاره المتطرفة، لكنه يخشى تعرضه لاضطهاد البقية في السجن، واتهامه بالخوف والجبن والموالاة للدولة!.
لست هنا في موقف الجدل مع أفكار هذا التيار التكفيري، فلعل غيري من المختصين قد كتب عنه، ولعل الجميع لم يخفِ دهشته أمام هؤلاء وأفكارهم، لكنني سأتوقف عند حديث أحدهم عن مشاركاته في المواقع والمنتديات بعشرة أسماء، وربما أكثر.. فقد اتخذ اسم «كشري» لتمرير أفكاره المتطرفة، والحديث باسم شخص مصري لمزيد من التمويه، وأوجد أسماء مستخدمين أخرى، هم أخوة للسيد «كشري» ومؤيديه له، وداعمين لأفكاره وموضوعاته، مما يمنح المتابع أو المتصفح وهماً بأن هذا الفكر يحظى بالتأييد من قبل شريحة كبيرة من المجتمع، بينما الواقع هو العكس، لكن هذا التيار لديه قدرة على العمل المنظم، الذي يؤثر في الآخرين، حتى في أصحاب القرار، كما يحدث عندما يتم اتخاذ قرار ما، له صبغة اجتماعية، فيقوم الواحد من هؤلاء بإرسال عشرات الفاكسات، وربما البرقيات، ينكر هذا الأمر، على صاحب القرار.
كي يشعره بأن السواد الأعظم من المجتمع ضد ما اتخذه من قرارات أو تغييرات، بينما الواقع يقول إن هؤلاء العشرة أشخاص، أصبحوا ألف شخص بالتنظيم والحشد!.
ولعل أبرز ما في هذه اللقاءات، قول أحدهم، أن على المجتمع أن يقبلهم فيما بعد، وأن تتم إعادة دمجهم في منظومة المجتمع بعد تراجعهم عن مثل هذه الأفكار المتطرفة، لأن تحييدهم ونبذهم لا يعني سوى المزيد من التطرف والكره الشديد لهذا المجتمع (الجاهلي) كما يرونه، وهذا خسارة لهم وللمجتمع نفسه، فقد يعود هؤلاء عناصر فاعلة في مجتمعهم، مثل ما حدث مع كثيرين، تراجعوا عن هذه الأفكار التكفيرية، وتصالحوا مع بيئة مجتمعاتهم، بل وأصبحوا مؤثرين في مجالاتهم، ومن بين العناصر المنتجة في المجتمع.