هل يعقل أن يصبح المطر الذي كنا نسعد به في طفولتنا كابوساً يطارد نومنا الآن؟ وهل يعقل أن يصيب أهالي الرياض وجدة وغيرهما الهلع كلما تكاثف الغمام فوقهما؟ فهل أصبحت كل خدماتنا ومشروعاتنا التي يصرف عليها بلايين الريالات ليست في مأمن من مجرد رشة مطر لا تزيد عن نصف ساعة؟
هل يعقل أن يتم إغلاق الطريق الدائري الشمالي من مخرج 3 وحتى مخرج 8 بسبب الأمطار التي هطلت على الرياض يوم السبت الماضي؟ وهل يعقل أن تكتظ الأنفاق في مختلف أنحاء الرياض بالمطر في أقل من ساعة، إلى درجة أن طريق السويدي العام أصبح نهراً بلا أي تصريف؟ وهل يعقل أن يجد السائق لافتات التحذير من دخول معظم الأنفاق في الرياض قبيل دخولها؟ وهل يعقل أن تنفصل الكهرباء في بعض أحياء شمال الرياض نتيجة المطر؟ بل حتى المشروعات الجديدة في الرياض، كطريق أبي بكر، وعثمان، تعثر المرور فيها بسبب الأمطار، حتى أن المواطن يسأل بحسرة، هل مشكلة تصريف السيول تخص المقاول المنفذ، أم المهندس المشرف الذي استلم المشروع، هل في شركات الطرق لدينا، أم في وزارة النقل، أم البلديات، أم المطر الذي يهطل بكثافة قبل أن نستعد له، ونختبئ في منازلنا، كما توصي تحذيرات الدفاع المدني؟
لنكن بسطاء جداً، ونسأل سؤالا بسيطا في حجم تفكيرنا، هل تفعل الجهات الرقابية المشرفة على هذه المشروعات اختبارا على النفق قبيل استلامه، وتتأكد من قدرته على تصريف كميات مياه متدفقة بانتظام لمدة ساعة؟ كما نفعل نحن في منازلنا حين نختبر العزل المائي في الأسطح ودورات المياه بوضع الماء لمدة عشرين يوماً وأكثر؟ هذا السؤال البسيط والساذج يظن ظنا حسنا، ولا يفترض أن هناك فسادا، وأطراف تدفع، وأخرى تقبض، وأن التكلفة مضاعفة مراراً، تزداد كلما ازداد عدد المنتفعين من هذه الصفقة، ومن ذاك المشروع!
كم نشعر بالخيبة، حين تكون مشروعاتنا التنموية متعثرة من جهة، وما ينجز يتم تنفيذه بشكل سيء من جهة أخرى، كم نشعر بالإحباط حين نتأمل ميزانيات ضخمة، وأرقام مذهلة، لوزارات النقل والشؤون البلدية والقروية وغيرهما، ثم يختبر المطر مشاريعهما في يوم واحد، بل في ساعة واحدة، ليمد لسانه ساخرا نحونا، ويقول لنا بأن (الشق أكبر من الرقعة) وأن المشاريع لم تزل متعثرة!
كم تزداد خيبتنا أكثر، وكأنما لا يكفي خذلاننا من مشاريعنا المتهالكة، ليمعن إعلامنا المرئي في تزييف الواقع، ذلك الواقع الذي باتت تفضحه وسائل التواصل الاجتماعي، فبينما كانت مشاهد غرق السيارات، وتعثرها، وشلل الحركة في الرياض، تظهر جلية في مقاطع اليوتيوب التي يبثها المواطنون، كان مراسل قناة الإخبارية يغرد في عالم آخر، وكأنه يعيش في مدينة غير التي نعيش فيها، وكأن القائمين على هذه القنوات لا يعلمون أن الشمس لا تحجب بغربال، حتى أصبحت لا تبحث فيها المشاهد من المصداقية إلا خبر «تعليق الدراسة»!