يبدو أن السعوديين، ومع مواقع التواصل الاجتماعي، والحوار الحر المفتوح، أصبحوا يختلفون حول كل شيء، حتى في القضايا التي نجزم بأنها تخص الوطن ومصالحه، التي لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف من الظروف، وهو ما حدث من جدل، جاءت به أصوات، حتى وإن كانت قليلة جداً، إلا أنه ليس من حقها التعبير بما يضر بمصلحة الوطن والمواطن، كانت هذه الأصوات تبكي على الإثيوبيين في «منفوحة»، مرة تحت ادعاء أن هؤلاء «مساكين» جاؤوا يطلبون العيش والحياة الكريمة، ومرة تحت ادعاء أن هؤلاء تكبدوا شراء تأشيرات دخول إلى البلد، ثم تخلى عنهم كفلاؤهم، أو هربوا منهم تحت ظروف استغلالهم، ومرة ثالثة أننا مع ترحيل هؤلاء المخالفين لشروط الإقامة، لكن ليس بهذه الصورة المذلة، أو العنيفة أحياناً، والتي شارك فيها مواطنون من أهل الحي ذاته، وبشكل فوضوي، وزاد الطين بلة، أنه يتم تصوير هذه المشاهد، ويتم تنزيلها على موقع اليوتيوب!
ولعل أغرب المغردين هو من يتحدث عن التمييز العنصري تجاه هؤلاء، بل ويلوم المثقفين الذين يحاربون ضد العنصرية، ثم يتجاهلون حقوق هؤلاء (وكأنه يتحدث عن مواطنين يحملون جنسية البلد، أو مقيمين نظاميين يتعرضون لتمييز عنصري لأنهم غرباء).
علينا أن نتفق أننا أخطأنا سنوات طويلة في فوضى استقدام غير منظمة، وفتح سوق سوداء لبيع التأشيرات، وعدم ضبط الحدود خاصة مع جارتنا الشقيقة، اليمن، مما جعل هؤلاء الأثيوبيين يدخلون تهريبا بالمئات، ثم بالآلاف، ولعل تسليم ثلاثة آلاف أثيوبي وأثيوبية أنفسهم قبل أمس، وفي يوم واحد، ومن حي واحد، وفي مدينة واحدة، هو أمر لافت للانتباه، ولعله يكشف أن الأمر أكبر مما نتوقع أو نظن!
لذلك نحتاج إلى مزيد من العمل والصبر، ومزيد من حملات التصحيح، ومزيد من ضبط التأشيرات، والرقابة عليها، وعدم صرفها إلا للشركات والمؤسسات، وفرض عقوبات صارمة عند تشغيل عمالة غير نظامية، سواء من قبل المؤسسات التجارية، أو من قبل الأفراد.
وعلينا أن نؤمن بأن مخالفة شروط الإقامة في بلادنا، شأنها شأن أي بلد آخر، يتم التعامل معها كجريمة يعاقب عليها القانون، خصوصا في التسلل غير النظامي، أو الهروب من صاحب العمل، وعدم حمل أي أوراق ثبوتية، وإقامة نظامية، على أن يتم التعامل مع هؤلاء بطريقة حضارية، خاصة ممن يبادر بتسليم نفسه، وما لم يتعرض رجل الأمن إلى خطر قد يهدد حياته، عند مداهمة هؤلاء الذين يختبئون في مجموعات كبيرة، قد يحمل بعضها الأسلحة البيضاء، أو يبادر بعضها بأعمال شغب وتدمير في الشوارع، كما حدث في منفوحة.
ولعل من أطرف ما قرأت في تويتر، أن أحدهم يستشهد بموقف سارتر، الفيلسوف الفرنسي، من حكومة بلاده، زمن الاحتلال الفرنسي، حينما وقف إلى جانب الثورة الجزائرية، وكأننا أرسلنا جيوشنا إلى أثيوبيا كي نحتلها، ونستغل مواردها الطبيعية، فعلاً (رفيق العاقل مستريح)!