لم تكد قضية التعرّي التي حدثت من شباب في مدينة بريدة تمر، وتهدأ، بعد الخلاف الذي احتدّ بين المتابعين حول الحكم الذي صدر بحقهم، ما بين مؤيِّد ومعارض للقسوة في معالجة هؤلاء، وما إذا كانت العقوبة البالغة القسوة تعني إشارة لغيرهم ممن يفعل ذلك، وبين أنّ هذا الحكم قد يجعل هؤلاء يتحوّلون مع الزمن إلى أعداء ناقمين على المجتمع!
أقول لم يكد يمر بضعة أشهر، حتى نقلت صحيفة مباشر الإلكترونية خبراً محلياً مزعجاً للغاية، بعنوان «علامات شذوذ جنسي على السيارات في بريدة»، ومضمونه أنّ ثمة شباباً في بريدة يضعون على زجاج سياراتهم علامات محدّدة، وإشارات معروفة فيما بينهم، تبيِّن حالة صاحب السيارة، ما إذا كان ليس له قرين أو عشيق، وذلك بعلامة إكس، أو إذا كان مشغولاً، ولديه علاقة محرمة، وذلك بعلامة صح، والأغرب في الخبر الذي نقلته الصحيفة الإلكترونية أنه مصحوب بصور لسيارات من فئة «جيب ربع» و»تويوتا هايلكس»، بل إنّ الزائر لهذه المدينة المحافظة يلمح أحياناً بعض المشاهد التي تثير الريبة والاشمئزاز معاً.
هذه الظاهرة الخطرة، والتي أصبحت علنية، وتؤكد على حالات الشذوذ، وفي إحدى أكثر المدن السعودية محافظة وورعاً، تثير القلق فعلاً، من أنّ هذا المجتمع لم يَعُد كما كان قديماً، صغيراً ومعزولاً، مكتفياً ومنكفئاً على ذاته، بل إنّ قنوات الاتصال والتواصل الجديدة، ليس فيما بين أفراد المجتمع الصغير ذاته، بل مع مختلف بلدان ودول العالم، بكل ما فيها من تفوُّق وإنجاز علمي وإبداعي، وأيضاً بما فيها من تردٍّ أخلاقي في الوقت ذاته، أوجدت روابط مباشرة، ولم يصبح العالم قرية واحدة كما كنا نردِّد منذ عقود، بل أصبح غرفة واحدة، مما يعني أنّ مثل هذه الظاهرة، أعني الشذوذ لدى الجنسين، تحتاج إلى عمل جاد، نفسي واجتماعي وديني، فلن تجدي وسائل المنع والحجب والتقصِّي والملاحقة، ولا حتى العقوبات الصارمة التي لن تحقق إلاّ المزيد من العناد والتحدِّي لدى هؤلاء الشباب، وإنما يجب وضع برامج رياضية وترفيهية وتثقيفية لهم، كي يقضي هؤلاء على أوقات فراغهم بهذه الأنشطة، بدلاً من الدوران في الشوارع، والانسياق خلف هذا النوع من الانحراف!
لا يختلف المربُّون والأخصائيون الاجتماعيون في مختلف الثقافات في العالم، على أنّ ملء أوقات الشباب بالأنشطة الاجتماعية والترفيهية هي ما يحمي هؤلاء من الضياع والجريمة، فالعمل والانشغال تماماً، خصوصاً في مرحلة الشباب، مرحلة الطاقة الهائلة، التي يجب تفريغها في أنشطة ذهنية وبدنية، كي ينجو الإنسان من عثرات تلك المرحلة!
نحن مقبلون على مرحلة صعبة في المنطقة، سياسياً واقتصادياً، فإذا لم تستثمر طاقات الشباب في المنافسة الاقتصادية، لبناء اقتصاد قوي ومتين ومنافس، تدعمه قاعدة شبابية مسؤولة، فإننا سنجد أنفسنا متأخرين بين اقتصادات العالم، حتى وإنْ كنا نمتلك ثروات طبيعية هائلة، لأنّ الثروة الحقيقية هم هؤلاء الشباب، فكيف نعيدهم من «هجولة» الشوارع، والعلاقات الشاذّة المحرّمة، لنصنع منهم قاعدة حقيقية للبناء الاقتصادي والمجتمعي، هذا هو السؤال الذي يجب البحث فيه، عن إجابات متعدِّدة ومحتملة لظاهرة واحدة مؤلمة!