انتشار النكات والضحكات على المحششين أوهم الذهن المجتمعي بخفة دم هؤلاء المتعاطين لمخدر الحشيش، وجعل منه أمرًا يشبه التطبيع مع هذا النوع -تحديدًا- من بين أنواع المخدرات الأخرى، هذا عدا انتشاره في القنوات الفضائية والأفلام والمسلسلات، وترويج النماذج الفنية التي يحبها المراهقون لسيجارة الحشيش؛ ما خلق ما يشبه الوهم بأن الحشيش لا ينتمي إلى فئة المخدرات، وأن تعاطيه لا يُسبب الإدمان!
إذا أردنا التغيير لا بد أن نبدأ بأنفسنا، هذه قاعدة عامة. وأنا شخصيًا في تجربة شخصية بدأت لا أجامل مطلقًا في أي مجلس يُقال فيه أي نكتة حول المحششين، ولا أضحك لها ولا عليها، بل أستهجنها في وقتها، ثم أبيِّن سبب هذا الاستهجان والرفض، حتى وإن كان هذا الموقف يخلو من المجاملة التي اعتدنا عليها، إلا أن خطورة انتشار هذا النوع من المخدرات في مجتمعنا تستلزم علينا ألا نتهاون في التعاطي مع أي فكرة حوله وإن كانت نكتة.
إن كثرة تداول النكات والضحك على “المحششين” جعلت صورة هذه الفئة المتعاطية في أذهاننا تبدو صورة جميلة، وإن كان الإنسان الكبير الواعي المدرك لخطورة هذا المخدر لن يتأثر بتلك النكت، فهناك شباب صغار ليس لديهم الإدراك الكافي للتفريق ما بين شخصية المتعاطي والنكتة لمجرد النكتة، فهذا الشاب طالما يرى أن تعاطي الحشيش يجعله يبدو بهذا الشكل، وسيمنحه خفة الدم والقبول الاجتماعي، فما الذي يمنعه من تعاطي هذا المخدر الذي سيراه مفيدًا لشخصيته؟!
المديرية العامة لمكافحة المخدرات لديها حضور إعلامي جيد، وبرامج توعوية بناءة، لكن ينقصها الوصول إلى هذه الفئة، التي قد لا تقرأ الصحف، أو أنها لن تشاهد برامج حوارية أو توعوية بهذا الصدد؛ لذا نحن بحاجة إلى حملة توعوية مضادة تستخدم الأدوات نفسها التي يستخدمها مروجو تعاطي الحشيش، أو المخدرات بشكل عام. برامج مكافحة المخدرات بحاجة إلى أن تصل إلى الشباب في مدارسهم ومواقعهم وأماكنهم، أن تستثمر الأماكن التي يوجد بها هؤلاء الشباب، مثل الأسواق والمقاهي والمطاعم، ويكون هناك حملات ترويجية بسيطة ومقبولة وبعيدة عن الكلام الإنشائي والتحذيرات المباشرة، ويكون الشباب أنفسهم أدواتها ومقدميها وعارضيها.
الآن، يُقبل الشباب بكثرة على تطبيق التواصل الاجتماعي “تويتر”؛ فماذا لو اختارت المديرية العامة لمكافحة المخدرات بعض الحسابات الشبابية التي تحظى بمتابعة كبيرة، ومررت من خلالهم رسائل ترويجية لحملات توعوية. أيضًا حضور الشباب في برامج “اليوتيوب” يملك نسب مشاهدة عالية؛ فلماذا لا يتم استخدام هؤلاء لتمرير رسائل مفيدة بطريقتهم التي مرروا بها مئات الرسائل الناجحة، والتي دخلت بسرعة إلى وجدان المجتمع بكل فئاته ومكوناته؟ فالشاب المستهدف لن يقرأ مقالي هذا، ولن يطّلع على تصاريح ومقابلات رجال المكافحة، إنما سيشاهد فيلمًا قصيرًا يقوم بأدائه أحد الشباب الذين يحبهم، وسيقرأ تغريدة بل سينشرها إذا كانت مكتوبة من حساب شاب يتابعه.. كثيرة هي الوسائل التي يمكننا من خلالها إعلان الحرب على الترويج، والتي من خلالها نستخدم السلاح نفسه الذي يستخدمه هؤلاء المروجون، ولن تكون مكلفة، لكنها - بلا شك - ستصيب؛ لأنها هادفة!