تشير آخر تقارير صادرة عن وزارة العدل، إلى أن عدد قضايا الاتجار بالبشر التي عبرت إلى دوائر المحاكم قد بلغت 72 قضية خلال العام الماضي. والأكيد أن العدد الحقيقي لضحايا الاتجار بالبشر هو أكبر من هذا بكثير، ممن لم يصل إلى المحاكم، وهذا ما ستقلصه حملة التصحيح المنتظرة للعمالة الوافدة التي تعمل بصورة غير نظامية.
هناك فعاليات حقوقية ترى أن إلغاء نظام الكفيل هو الحل لمحاربة الاتجار بالبشر، واستغلال العمالة الوافدة في أعمال غير نظامية، إلا أن رأيي الشخصي قد لا يتفق مع هذا، فإلغاء الكفيل قد يزرع الفوضى بشكل أكبر، ولا يحقق الأهداف المرجوة من الحفاظ على حقوق صاحب العمل والعامل، إلا أن إعادة هيكلة وتشكيل نظام الكفيل، بما يتوافق مع المعطيات المحيطة قد يساهم بشكل كبير في الحد من الاتجار بالبشر، والذي ينتشر في مجتمعنا من خلال تشغيل العمالة بصورة غير نظامية، وبطريقة لا تتوافق مع أصول الشريعة ولا مع أبجديات حقوق الإنسان. ويتمثل هذا في تأجير هذه العمالة وهو أحد الأشكال المباشرة لعملية الاتجار بالبشر.
أيضًا وضع العاملات المنزليات يحتاج إلى إعادة صياغة حتى لا يقع -بعضهن- في هذه القضية، إذ أن تشغيل العاملة بالمنزل لمدة تتجاوز الـ 10 ساعات دون أوقات راحة معتمدة، أمر غير مقبول، أضف إلى هذا اختفاء ثقافة الإجازة الأسبوعية للعمالة المنزلية خصوصًا النساء، وهذا يعود إلى العادات والتقاليد التي تُقيّد المرأة، بما فيهن العاملات المنزليات، وعدم وجود أماكن للخروج والتنزه، أو لعدم ثقة أهل البيت بها وخوفهم من المشاكل التي قد تحيط بخروجها، وهذا لا يعني تشغيلها في يوم الإجازة الأسبوعية فليس بالمنطق أن يعمل إنسان على مدى سبعة أيام متتالية دون يوم راحة، والحل الأفضل هو تحديد يوم إجازة أسبوعية وإن اختارت العاملة أو العامل العمل في هذا اليوم، أن يكون مدفوع الأجر خارج الراتب الشهري المتفق عليه. وأنا هنا ومن تجربة شخصية أنصح الجميع باستخدام هذا مع العمالة المنزلية، فستجدون أن نفسياتهم تتجدد وتتغير ويُقبلون على العمل براحة أكثر، وقد يساهم هذا اليوم الإجازة أو المدفوع بتقليص كثير من الإشكاليات التي نسمع عنها بالمنازل، والتي يصل بعضها إلى حد الجريمة!
إن مكافحة الاتجار بالبشر ليس بالقضية الهيّنة، ولن ينتهي بسهولة مع كافة الجهود المبذولة، لأن هناك من يعيش ويقتات على الاتجار بالناس والمثل والأخلاقيات والدين والنفوذ والمناصب، وكلها أشكال تجارة لا إنسانية، تحتاج إلى قوانين واضحة وصارمة، من شأنها إعادة تشكيل الثقافة المجتمعية تجاه بعض السلوكيات التي تمر عابرة دون الشعور بفداحة جُرمها، وهذا يتضح عندما يسافر أحد إلى الخارج ويُعاقب بسبب تصرف أو ممارسة خاطئة ضد خادمته، ويستهجن المجتمع هذه العقوبة وقد يراها مؤامرة ضدنا، في حين أن الموضوع هو اختلاف ثقافات تشكلت بفعل قوانين ترعى حقوق الإنسان لكونه إنساناً لا غير!