المؤكد أن الإمبراطوريات لا يمُكن إعادتها بعد سقوطها، وكذلك الصحف فالصحف في الغرب - أمريكياً وأوربياً - يختفي بعضها بهدوء، والبعض الآخر يصحب اختفاءه مقالات نعي وتحسُّر، أما في الدول العربية فتظهر الصحف وتختفي دون أن يشعر بها أحدٌ، إلا أن هناك صحفاً بنَت لها تاريخاً.. سمعةً واسماً يكاد يُضاهي الإمبراطوريات.
من هذه الصحف التي لا تقتصر سمعتها واسمها على البلد الذي نُشرت فيه، بل تعدته إلى الأقطار العربية الأخرى وتجاوزت الحدود، صحيفة «الحياة» البيروتية المنشأ والولادة، إحدى الصحف العربية التي تخطت شهرتها بلد المنشأ والولادة، وحطمت البديهيات وإحدى تلك البديهيات هي: (الصحف التي تموت لا يُمكن أن تحيا).
فـ»الحياة» الصحيفة التي أنشأها الراحل كامل مروة، لفظت الحياة بعد اغتيال مؤسسها، وكادت تتحقق رغبة وسعي من كانوا يهدفون إلى إسكات الكلمة الحرة والصادقة، لأن نبض «الحياة» توقف بعد توقف نبض كامل مروة، فقد تكالبت الظروف والاغتيال الغاشم لكامل مروة في إطفاء شمعة الحياة، إذ واكب اغتيال المؤسس الحرب الأهلية اللبنانية، لتتوقف الحياة، وتُحرم طبقة كبيرة من المثقفين والنخب العربية من متابعة صحيفتهم المفضلة، لتفقد قهوة الصباح رفيقتها الصحيفة اليومية.
ولأن الأعمال الرائدة والمؤثرة لا يُمكن أن تموت، نبضت «الحياة» من جديد بعد أن تهيأ لها فارس يُؤمن بقيم الكلمة وأهميتها، ففي بداية الربع الأخير من عام 1988م، أطلق أحد فرسان عاصفة الصحراء إشارة عودة «الحياة» للحياة، لتعود الصحيفة العربية التي تحترم عقل القارئ.
جمع خالد بن سلطان بن عبد العزيز أفضل الصحفيين - كتَّاباً ومهنيين ومراسلين - ليقدموا وجبة إعلامية تحترم عقل القارئ.. الوصية الوحيدة التي أبلغها خالد بن سلطان إلى الكوكبة التي كلّفها بإعادة الحياة للحياة، أن احترموا عقل القارئ، ولكم مني الرعاية والحماية والمساندة، لتنطلق «الحياة» وتُحقق الريادة كأول صحيفة تستعمل التقنية الإلكترونية في استعمال الحرف العربي والإلكتروني، والذي لا يعلمه الجميع أن حرف «الحياة» الذي وضعه خطاط الحياة ظل يُستعمل من قِبل باقي الصحف العربية، حتى تمكنت بعض الصحف من وضع حرفها الإلكتروني.
أيضاً الذي يعرفه جميع الصحفيين أن مدرسة الحياة المهنية في صياغة الأخبار وترتيب الصفحات وأسلوب الكتابة، شكَّل مدرسة صحفية سار على نهجه معظم الصحف العربية.
الآن «الحياة» الصحيفة التي لا يُمكن أن يستغني عنها المثقف العربي، أصبحت أكبر وأكثر قوة مما سبق، وتجاوزت أيام الولادة والنشأة والصبا، فهي بعد أن كانت لبنانية الولادة والنشأة أصبحت عربية الانتماء.. الانتماء الجامع.. دولية السّمة.. مميزة.. صحيفة تمتلك ثلاث جنسيات: سعودية ولبنانية وبريطانية، يعني ثلاث سمات مميزة، قُطرية ببصمة لبنانية، وقومية عربية بسمة سعودية.. ودولية عالمية بنكهة بريطانية.
الآن على من كانوا يُرددون أن الأمبراطوريات والصحف عندما تموت لا تُولد من جديد، عليهم أن يعيدوا النظر في صحة ما كانوا يعتقدون، فالحياة عادت لـ «الحياة» الصحيفة التي ما كان لها أن تغيب، وعادت أكثر قوةً وشباباً من يوم ولدت ورأت النور في بيروت، فهي الآن تشرق في الرياض، بل وفي كل مدن الجزيرة العربية، وأرض العرب، بل وبلاد الغربة.