قيام وافدين من الجنسية الإثيوبية بأعمال خارجة على القانون، ولا تعبِّر إلا عن أنفسهم، لا يُفترض أن يجعلنا نقف عند حدود معالجة ما قاموا به من تصرفاتهم غير المسؤولة، ومعاقبتهم بحسب نوع الجرم فقط؛ فهم في الأصل مخالفون لنظام الإقامة، سواء بعملهم عند جهة غير التي استقدمتهم، أو بدخولهم أراضي المملكة بطريقة غير شرعية، أو بتخلفهم عن المغادرة للمملكة إذا كانوا قد قدموا للعمرة أو الحج أو الزيارة، بل يجب التحوُّل لمسببات أوضاعهم الحالية هم وغيرهم من أي مخالف، أياً كانت جنسيته أو الطريقة التي دخل بها للمملكة.
وإذا استثنينا في أسلوب المعالجة حالات التسلل أو التخلف عن المغادرة، في حال كان قدومهم بطريقة نظامية، لكنها لأغراض الزيارة أو العمرة والحج، أي ليس للعمل؛ لأن لها طرقاً في التعامل مختلفة، وتُعنى بها جهات رسمية غير وزارتَي العمل والتجارة، فإن الحاجة أصبحت ملحة لتغيير طبيعة العمل التجاري بممارساته، بما فيها علاقة رأس المال البشري فيه.
فالعمالة التي تحمل رخصة إقامة نظامية بقصد العمل يشكّل حجم مخالفاتها الجزء الأعظم من المخالفات؛ والدليل الأرقام الكبيرة التي صححت أوضاعها خلال المهلة التي استمرت سبعة أشهر؛ إذ تجاوز رقم من قاموا بتصحيح أوضاعهم خلالها خمسة ملايين وافد، أي خمسين في المائة أو أكثر من حجم العمالة التي تحمل رخصة الإقامة للعمل بالمملكة، وهذا يدل على خلل كبير، تسبب به طبيعة نظام الكفيل القائم، وطرق مراقبة العمل التجاري حالياً؛ ما يعني بالضرورة إعادة النظر بهما؛ كي لا تتكرر المخالفات من جديد، وتظهر المشكلة ذاتها بعد سنوات. فوضع غرامات مهما كبر حجمها لن يعدم الحلول التي قد تتكرر معها المخالفات من جديد، وقد تكون بطرق ظاهرها نظامي وباطنها مخالف، كالعقود الوهمية بين المنشآت لتأجير العمالة أو العقود من الباطن، فمهما اجتهد الجهاز الرقابي الرسمي، ممثلاً بأي وزارة، لن يستطيع القضاء على المخالفات مطلقاً؛ فلكل قانون ثغرة، لا تظهر سلبياتها إلا مع الزمن، وأحياناً يكون لمدة طويلة حتى تبرز سلبياته، فهذه طبيعة الأنظمة الوضعية من قِبل البشر، بينما التشريع الإلهي كامل؛ لأن الكمال لله وحده عز وجل.
فلو استعرضنا طبيعة الأعمال التي تتم من خلالها المخالفات نجد أن قصوراً تنظيمياً يعتريها؛ فوجود مئات الآلاف من محال التجزئة بمختلف نشاطاتها له دور سلبي بتكريس المخالفات، بما فيها التستر التجاري الذي يؤدي إلى خلل كبير بحجم التحويلات المالية للخارج قياساً بالأجور المفروض أن يتقاضاها العمالة الوافدة العاملة فيها، والمناسبة لطبيعة أعمالهم؛ ما يعني أن يعاد تنظيم هذه المحال بأن يكون لها مراجعة محاسبية، وأن تتدخل مصلحة الزكاة والدخل بتنظيم وضعها محاسبياً، وفرض زكاة عليها بالشكل والحجم الصحيح لحجم إيراداتها وصافي أرباحها؛ ليتم معرفة حجم التستر الحقيقي والقضاء عليه بنسبة كبيرة جداً. فهل يُعقل أن يكون حجم الناتج الوطني الذي يتحقق من القطاع الخاص للعام الماضي 1580 مليار ريال من أصل 2727 ملياراً حجم الناتج الكلي، ويكون حجم الزكاة والضريبة عند 25 مليار ريال؟! علماً بأن الزكاة كانت في حدود 12 مليار ريال، والباقي رسوم على شركات الاستثمار الأجنبية، التي بالتأكيد حجم نشاطها أقل من نشاط القطاع الخاص المحلي المملوك لأفراد أو منشآت تجارية.
فمن خلال هذا التنظيم يتم رصد وضع العمالة بتلك المحال، فبعضهم لا يكون بواجهة العمل كي يتم التحقق من وضعه عند زيارة مفتشي وزارة العمل أو غيرها من الجهات ذات العلاقة، فيكفي أن تنظر ببند الرواتب المصروفة في حال تم تنظيم أعمال هذه المحال محاسبياً؛ لتعرف كل تفاصيلها التنظيمية فيما يخص العمالة التي تعمل بها، والحال تنطبق على المؤسسات الوهمية وأي عمل تجاري.
كما تقتضي الحاجة تحويل حجم بعض الأعمال التي يمتلكها أفراد لمؤسسة أو شركة إذا تجاوزت حجماً مالياً معيناً، أو بعدد الأنشطة والمحال؛ ما سيساهم في تنظيم الأعمال الفردية حتى يبقى حجم النشاط الصغير وفق دوره المطلوب، إضافة لتغيير دور الكفيل الحالي لصيغة ترتبط أكثر بمفهوم استفادته من العامل الوافد كعلاقة عمل تعاقدية أكثر منها صيغة شبه مطلقة بمسؤوليته عنه؛ ما يتيح للبعض التحكم به، وهذا ما أفرز التستر التجاري ووجود عمالة سائبة عظمت حجم اقتصاد الظل لأرقام كبيرة جداً.
إن التحوُّل لأنظمة وتشريعات أكثر عمقاً ودقة سيساهم في رفع مستوى الإحصاء والضبط المالي، وسيقود لدعم تنظيم سوق العمل، إضافة إلى الانتقال بعلاقة الوافد بسوق العمل والاقتصاد لضمان حقوقه من جهة، ولمعرفة نمط العمل الذي يؤديه وما يحصل عليه من أجر حقيقي، وسيكون لكل هذه العوامل وغيرها دور كبير بالحد من المخالفات التي تمثل خللاً وتشويهاً لواقع الاقتصاد المحلي القوي بفرصه وحجمه وتقييمه الإيجابي المرتفع.