إنفاق الفرد يعد أحد ركائز النمو الاقتصادي عالمياً وزيادة نسبة تأثيره يعد مؤشراً إيجابياً لمتانة الاقتصاد ويعزز من القاعدة الإنتاجية وضخ الاستثمارات كما أنه يرفع من القوة الذاتية لأي اقتصاد وجدير بالذكر أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بنسبة 70 % على إنفاق المستهلك داخل أمريكا مما أعطى زخماً هائلاً خلال العقود الماضية لنمو اقتصادهم إلى أن وصل لما هو عليه الآن من قيادة عالمية بالإضافة للعوامل الأخرى فيه.
* لكن هل تستوي هذه القاعدة بحجم أثرها في كل الاقتصاديات أي أن ارتفاع إنفاق المستهلك ليس بالضرورة عامل قوة ببعضها خصوصاً بالاقتصاديات الريعية أو تلك التي مازالت تمنح أجوراً محدودة لموظفيها كالصين رغم أنها اقتصاد منتج لكن أثر إنفاق الفرد في الناتج القومي لا يتعدى 30 % مما يضعها تحت رحمة الاعتماد على الصادرات والتي تتأثر بعوامل عديدة كالمنافسة أو الحمائية أو تراجع نمو الاقتصاد العالمي.
* وبالنظر إلى الاقتصاد المحلي الذي يصنف بأنه ريعي حسب الكيير من الدراسات كحال اقتصاديات الخليج عموماً ويعتمد على إيرادات من النفط تشكل أكثر من 90% من إيرادات الخزينة والتي تمثل العامل الأبرز بالتأثير على معدلات النمو حيث يبرز الإنفاق الحكومي كمحرك أساسي له وبما أن إنفاق المستهلك بالمملكة يعد من الأكبر شرق أوسطياً، بل عالمياً حيث يصنف من ضمن أكبر عشرين اقتصاداً من حيث الإنفاق ويدل على ذلك مؤشر ثقة المستهلك المرتفعة إلا أن أثر إنفاقه لابد وأن يخصع لقياسات توضح مدى انعكاسه على الاقتصاد ورغم غياب نسبة واضحة لذلك الأثر لكن بعض الأرقام تشير لهذا الدور وحجمه.
* فحجم فاتورة الاستيراد قارب 600 مليار ريال نتيجة لدور الإنفاق الحكومي والذي انعكس أيضاً بزيادة إنفاق المستهلك لكن الطاقة الاستيعابية أي الإنتاج المحلي مازالت ضعيفة فنحن نستورد جل احتياجاتنا وتشير بعض الأرقام أننا نستورد قرابة 90% احتياجات السوق المحلي وقد لا يتكلف الباحث كثيراً لمعرفة ذلك فحجم سوق التجزئة محلياً يقارب 300 مليار ريال وهناك توقعات بتخطيه حاجز 400 مليار ريال خلال عامين فيما تبرز أغلب السلع المستهلكة بالأسواق كمنتج خارجي كالسيارات وقطع غيارها والملابس والأغذية والأدوية والإلكترونيات وغيرها.
* فحجم الاستهلاك الكبير أوصلنا لأن نكون من الأعلى استهلاكاً بكثير من السلع بل تفوقنا على دول يزيد عدد سكانها عن 100 مليون بمواد كالأرز وكذلك الطاقة التي قد نكون الأكبر عالمياً من حيث استهلاك الفرد الذي يفوق المستهلك بالصين أو مصر بثلاثة عشر ضعفاً.
* وبعيداً عن الاسترسال بلغة الأرقام فإن المستهلك المحلي الذي يعد إيراد النفط هو مصدر دخله نتيجة لعدد موظفي القطاع العام الكبير أو حتى من يعمل بالقطاع الخاص فجل التأثير هو من إنفاق حكومي يرتفع بسبب زيادة أسعار النفط والإيرادات بنهاية المطاف التي ترفع من معدل الإنفاق على المشروعات التي تحرك القطاع الخاص وبنفس الوقت فإن ما يستهلكه الفرد يأتي من الخارج بنسبة عظمى مما يعني أن الأثر يصبح محدوداً.
* ولذلك لابد من رفع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وتذليل العقبات أمام استقطاب الاستثمارات وزيادة الإنتاج محلياً ودعم وتفعيل الشراكات مع الخارج لنقل التقنية والصناعة محلياً خصوصاً أن الدولة انفقت الكثير لتهيئة مدن صناعية واقتصادية مما يعني أن جزءاً من محركات استقطاب الاستثمارات قائم فعلياً، ويبقى النظر بالعوائق الأخرى التي تقلل من زيادة حجمها وبالتالي تباطؤ نمو الإنتاج محلياً بما يغطي جل احتياجات السوق ومن المهم القول بأننا قد لا نستطيع استقطاب أغلب الصناعات لكن من الضروري أن يكون بكل قطاع أو سلع معينة ذات طلــب عالي كمية إنتاج جيدة حتى نقلل الاستيراد ونرفـع من حجم التوظيف المجدي وينعكس أثر إيرادات النفط أكثر بالاقتصاد ويدعم المستهلك المحلي النمو الاقتصادي بفاعلية أكبر.
* زيادة إنفاق المستهلك المحلي وارتفاع مؤشر الثقة لديه عامل إيجابي لكنه يبقى معطلاً بأثره إذا لم يكن داعم لمنتج محلي ويمنح التأثير الإيجابي الكبير بزيادة الإنتاج والاستثمارات ورفع معدلات التوظيف فمن الاهتمام بالمستهلك يبنى التنوع الاقتصادي ويزداد دور القطاع الخاص بالناتج المحلي ويقل تأثير عامل إيرادات النفط بالنمو الاقتصادي ويعطي ذلك استقرار أكثر للنمو الاقتصادي ومناعة وقوة ذاتية تقلل من العوامل الاقتصادية الدولية غير المستقرة منذ سنوات على اقتصادنا وتعظم الفائدة من الفوائض المالية التي جناها الاقتصاد من ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية.