شهد منتدى عقود التشييد المنعقد مؤخرًا تقديم ورقة علميَّة بعنوان «تعثر المشروعات الحكوميَّة أسبابه ووسائل الحدّ منه» التي قدمها المهندس عبد الله البابطين مدير عام متابعة عقود الأجهزة الحكوميَّة والشركات بالهيئة الوطنيَّة لمكافحة الفساد. وقد أوضح فيها ما خلصت إليه دراساتهم من رصد لأبرز أسباب تعثر المشروعات التي تصل تكلفتها إلى أربعين مليار ريال سنويًا.
ومن الواضح أن نزاهة قامت برصد شامل لكل ما يعترض تنفيذ المشروعات من أسباب وبكل مرحلة من مراحلها ويتضح ذلك من خلال التفصيل الذي قدم بالورقة حيث تَضمَّن مرحلة ما قبل ترسية العقد وما يصاحبها من تخطيط ودراسات وخلال التنفيذ ما يعترض سير العمل وضعف أداء الأجهزة المالكة للمشروعات في مسائل فنيَّة مُتعدِّدة وتأخر صرف المستحقات للمقاولين والعديد من النقاط التي أوضحت بواطن الضعف التي بتراكماتها تُؤدِّي لتعثر المشروعات الحكوميَّة.
إن ما يمكن استخلاصه مما قدمته نزاهة من تشخيص عميق لتعثر المشروعات أن الأسباب العامَّة تكمن في خلل تنظيمي وتشريعي وبيروقراطية عميقة موجودة بالأجهزة الحكوميَّة بصفة عامة وأن الأسلوب الإداري الحالي مازال قاصرًا أمام حجم المشروعات الذي يطرح سنويًّا وذلك من ناحية المقدرة على إدارتها وتنفيذها بالوجه المطلوب من حيث الجودة والمدة الزمنية، كما يتضح من دراستهم أن الكفاءة للكوادر البشرية بالجهات المالكة للمشروعات محدودة، أما لأسباب اعتقد بأنها ترتبط بحجم العمل وعدم القدرة على تغطيته إذا كان الجهاز الإشرافي محدود العدد أو عدم القدرة على استقطاب خبرات أو الحفاظ عليها نتيجة ضعف المحفزات الماليَّة خصوصًا للمهندسين والذين بالمناسبة يدرس كادرهم الخاص منذ سنوات ولم يبت فيه على غرار ما حدث للقطاع الصحي الذي تطوّرت مزاياهم بنسب كبيرة عن السابق.
لكن ما يهمنا من ورقة العمل هو الجواب على ماذا وليس لماذا فالأسباب التي أدت لتعثر المشروعات طرحت كثيرًا من جهات عديدة ومن كتاب اقتصاديين وإن كان لما صرحت به هيئة مكافحة الفساد أهمية كبيرة لأنّه مقدم من جهة رقابية رئيسة بالجهاز الحكومي ويعول عليها كثيرًا للمساهمة بتعديل الأخطاء أو الإشكاليات التي تواجه العمل الحكومي ومشروعاته من فساد أو خلل تشريعي وتنظيمي إلا أن ما ينتظر منها بعد تشخيص الأسباب لتعثر المشروعات هو خطوات عملية تهدف لإزالة هذه الأسباب الذي نعني به الجواب على ماذا أيّ ما العمل الذي سيُنفّذ للوصول لأفضل الحلول؟ وإذا كانت الورقة العلميَّة المقدمة قد قدمت ملامح عامة كتطوير نظام المشتريات والعقود الحكوميَّة وكذلك نظام تصنيف المقاولين إلا أنها تبقى خطوطًا عريضة للحلول لا بُدَّ وأن تنتقل لمرحلة عملية وسريعة فالتنمية الحالية حجمها كبير وتتطلب السرعة بالتنفيذ لمشروعات تطوير الأنظمة القائمة التي اعتبرتها نزاهة سببًا رئيسًا في تعثر المشروعات وإلا فإننا سنبقى نكرر الأسباب وستستمر المشروعات بالتعثر بنسبة لافتة والخاسر هو الاقتصاد والوطن والمواطن.
فليس من المنطق أن تبقى هذه الأسباب دون حل فمن السهل أن تقوم الجهات المعنية بما فيها نزاهة بالعمل على إزالة كل هذه العقبات وتغيير الأنظمة المعطلة للتنمية وتقليص البيروقراطية ومعالجة أسباب القصور التي تعتري أداء الأقسام الإشرافية بالجهات الحكوميَّة لاستقطاب الكفاءات ومنحها المزايا المناسبة لحجم أعمالها ودورها المهم في الإشراف على تنفيذ المشروعات كما يمكن أخذ الكثير من الآراء حول تطوير هذه الأنظمة من خلال المناقشات مع القطاع الخاص للوصول لأفضل المعايير التشريعية والتنظيمية التي تسهم بتطوير أداء قطاع المقاولات ودوره التنموي المهم.
تشخيص وتفنيد الأسباب الكامنة وراء الإشكاليات أو الأزمات بصفة عامة يعد من المسلمات وذلك للوصول إلى تحديدها للبدء بوضع الحلول لها ولكن يبقى المحك هو بسرعة التحرك من قبل الجهات المعنية للتغيير والتطوير المطلوب وإلا سنبقى ندور بنفس الحلقة المفرغة والقائمة على تساؤل واحد وهو: لماذا وفي كلِّ مرة ستظهر أسباب جديدة بسبب بواطن الخلل والثغرات بالأنظمة أو لقدمها وعدم مواكبتها لمتطلبات التنمية دون أن يكون هناك حلٌ واقعيٌّ ينتقل بالتنمية إلى مراحل متقدِّمة ننتقل بها من ذكر أسباب التعثر إلى التفاخر بأسباب النجاح؟