عندما كنت في أسبانيا منذ أسابيع، استرعى اهتمامي كثرة المتاحف في كل المدن الأسبانية التي زرتها، و معظم هذه المتاحف لم يكن عن التاريخ أو الأرث الثقافي الذي زخرت به أسبانيا من التثاقف العربي الأوربي، بل إن معظم المتاحف الأسبانية تستعرض الثقافة والعلوم الحديثة، وقد أثار هذا في ذهني اهتماماً جديداً، فقد كنت أرى ذلك في الثقافة الأمريكية والكندية حيث أزور تلك البلاد في معظم رحلاتي، وكنت أعزوها لحداثة تراث تلك البلاد ونزعتها لتقدير الحديث وإبرازه بصورة تحفية ليشهد على مساهمتها الحضارية في الحضارية الإنسانية، ولكن أسبانيا لديها مما ورثت من تراث العرب ما يعمر مئات المتاحف، فلم تترك ذلك وتستتحف تراث الحضارة التي هي فيها تابع ومقلد.
بعد تبصر واستدراك، تبين لي أن المتاحف في الدول المتحضرة لم تعد وسيلة احتفال وتمجيد للتاريخ الأممي أو القومي، فقد باتت المتاحف مؤسسات تعليمية تتكامل مع المدارس والجامعات في منظومة بناء المعرفة والثقافة وهي معرض لمنتجات حضارات الأمم وإبداعها، ففي هذه المتاحف يستحضر الزائر الصورة التعبيرية للواقع الذي يستتحفه المتحف ويجعل من المتعلم شاهداً للحياة والحضارة سواء كانت هذه الحضارة قديمة أو حديثة.
إعجابي هذا في واقع المتاحف الأسبانية لم يخلُ من حسرة و استغراب، فلم لا نهتم بهذا الجانب من مجال التعليم لدينا، نحن شعب كنا في يوم من الأيام مصدر الإشعاع الروحي والحضاري لأقطار العالم، ومع ذلك ليس لدينا ما نستشهده في صورة متحف نستعرضه مع أبنائنا وزوار بلادنا، فالواقع الشاهد بإخفاقنا، يقول إن مكة المكرمة وهي مركز اهتمام وانتماء المسلمين تفتقر لمتحف يتحدث عن تاريخها وأحداثها وعن الإسلام كحضارة وكدين، والواقع أن عدم وجود متحف للإسلام في مكة بحد ذاته هو قصور عظيم في مرحلة تصرف الدولة بلايين الريالات على تهيئة المدينة المقدسة لتتناسب مرافقها مع دورها العظيم، وهذا الكلام ينطبق على المدينة المنورة وهي منطلق توسع الدولة الإسلامية.
المتاحف أصبحت مرافق تعليمية تحتوي شواهد وأدلة تكتسب ثقة المتعلم. وواقع المتاحف لدينا لا يتناسب مع ما لدينا من حضارة حالية وتراث تليد، فالواجب أن يكون في كل مدينة عدة متاحف، فمتحف للتراث ومتحف للمجتمع ومتحف للعلوم ومتحف للطبيعة و متحف للتاريخ، ومتحف للفنون، و الواجب أن يكون كل متحف يتمتع بإدارة مستقلة وتتنافس المتاحف في استجلاب الزائرين وبناء على ذلك تحصل على الدعم والتبرع من الجهات الرسمية والأهلية.
إدارة المتاحف هي فرع من اختصاص الهيئة العامة للسياحة، وكون هذه الهيئة مثقلة بمهام كل منها يمثل أهمية وطنية تتخاطف اهتمام إدارتها، فذلك يجعل تكوين وإنشاء وإدارة المتاحف أمر مقيد بما يتيسر من اهتمام لها، وهذا لا يتناسب مع الحاجة لجعل المتاحف مرافق هامة في المدن السعودية، لذا لابد من وضع هيئة متخصصة بالمتاحف تماثل باقي الهيئات الحكومية.