منذ عشرة أيام كنت في لوس أنجلس أحضر منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي، وعندما كنت في بهو الفندق جالسني أحدهم وكان يحمل جهاز (ايباد) لكنه غريب الشكل، فسألته عن ذلك فقال «هذا غلاف مضاد للماء حتى أتصفح الجهاز وأنا في المسبح»، فراق لي ذلك وأخذت اسم المنتج لأبحث عنه، واتصلت بالشركة المنتجة لأعرف أين أستطيع شراءه في لوس أنجلس، فطلب مني رقم الرمز البريدي لفندقي، وبريدي الإلكتروني، ثم أرسلوا لي رسالة فيها اسم وعنوان كل من يبيع ذلك المنتج في محيط 30 ميلاً عن الفندق، بعد أن رجعت للرياض أردت شراء جهاز تلفزيون مقاس 32 بوصة، فذهبت لأحد اكبر المحلات وسألت البائع عن الجهاز الذي يستقبل إشارة الإرسال الرقمية إضافة إلى التناظرية، أي يكون مجهزا بالخاصية (DTV/ATV) فقال «كل الأجهزة كذلك» وبعد أن اشتريت الجهاز أتضح أن كلام البائع غير صحيح، وعندما عدت بالجهاز لهم، وبنقاش البائع، تبين أنه لا يعرف ما هي الخاصية (DTV/ATV)، لكنه كان يريد أن يبيع رغبة في العمولة، بعد ذلك اتفقنا على أن اذهب بالجهاز لورشة الوكيل حتى تضاف الخاصية المذكورة، وعند ورشة الوكيل اتضح أن الفني المخصص للتلفزيون لديهم لا يعرف كيف يضيف الخاصية المطلوبة، واتفقنا على أن اترك الجهاز لديهم حتى يجدوا طريقة لفعل ذلك.
هدفي من رواية القصتين هو تبيين الفارق بين الخدمة التي يتوقعها العميل وما يحصل عليه من واقعين مختلفين، فعندما يصبح من يقدم الخدمة للعميل متعلما ومدربا ومنضبطا ويعي أهمية خدمة العميل ويدرك مسؤوليته عن رضى العميل، تكون الخدمة جيدة وربما تفوق التوقعات، وعندما يكون مقدم الخدمة نصف جاهل وغير مدرب وغير منضبط ومحتاج بشدة للمال فسيرى في الخدمة (فهلوة) ومصلحة من جانب واحد، عندها تصبح الخدمة خداعا ونصبا ومقدمة لسوء تفاهم وربما شجار، وهذا هو حال معظم الخدمات التجارية في بلادنا، فالخدمة هي وسيلة كسب لا أكثر من ذلك، لذا فلسان حال مقدم الخدمة للعميل هو «ما تحصل عليه هو ما تستحق»، لكن لماذا هي سيئة الخدمات لدينا؟، هناك ألف جواب مختلف لتبرير سوء الخدمات المقدمة للعميل وأهمها هو (الرخص)، أي قلة التكلفة، فمقدمو الخدمة يوظفون أقل الناس تكلفة حتى ولو كان ذلك على حساب النوعية، لأن النوعية لا تعني قيمة عند المشتري كما يعتقد أصحاب الأعمال، فالمشتري في نظرهم يريد بضاعة وخدمات رخيصة، وليس هناك حدود للرخص، فالكل يسعى لتخفيض التكاليف للحد الذي لا يحصل فيه المشتري على بضاعة أو خدمة ذات قيمة.
الواقع أن استراتيجية فتح المنافسة السعرية الحرة في ظل ضعف قوانين حماية المشتري، تجعل التجارة غشا وخداعا ونهبا لأموال الناس ببضائع وخدمات رخيصة، ومن يريد التمسك بالنوعية، يسلك سياسة الاحتكار وتنسيق حماية الأسعار، وهو باب آخر من أبواب أكل أموال الناس بالباطل، لذا فالنتيجة واحدة، والسبب هو ضعف الحماية العامة في جانب التشريع وجانب التطبيق لتجارة التجزئة، هذا الواقع هو أيضاً مسؤول عن ضعف الرغبة في توظيف وتدريب المواطنين، فمن يريد المنافسة السعرية فلن يستطيع فعل ذلك بموظفين مواطنين.
الموضوع متشعب وطويل لكن علاجه يكمن بخطة وطنية متدرجة، تتمثل في وضع قوانين حماية النوعية والحماية من الغش والخداع، ثم وضع آلية قضائية لتنفيذ هذه القوانين على المخالفين، وخلال ذلك لابد على وزارة التجارة من تطبيق نظام الدفاتر التجارية، حتى لو لزم الأمر فرض ضريبة مبيعات لتحقيق ذلك والصرف منها على رقابة السوق، فذلك كفيل بضبط سوق التستر, ثم التنسيق مع وزارة العمل لتطبيق معايير تمكين التقنية من واقع خدمة العملاء وبيع التجزئة، هذا الأمر سيقود لتوظيف عدد متزايد من السعوديين المؤهلين وتسريح العمالة الرخيصة غير المدربة من واجهة عملية تسويق الخدمات والسلع، عندما يحدث ذلك سيتم الارتقاء بكفاءة السوق في خدمة المشترين.