لأسفي الشديد لم تسنح لي الظروف لأتعرف على الدكتور عوض القوزي بما فيه الكفاية، قبل أن يصحبه الموت إلى رحاب الله، إن شاء الله مغفورا له ومعززا مكرما عند خالقه يوم الحساب الأخير. لكنني، حتى ولو لم أكن قد تعرفت على عوض عن قرب، فقد عرفته بوسائلي الخاصة، التي جمعتها عبر عشرات السنين بالملاحظة عن بعد والتأمل في قسمات ونظرات وحركات الناس، وأهم من ذلك وزن وقياس ما ينطقون به، بميزان العقل ومقياس المحتوى، من خلال اختيار المفردة وتركيب الجملة وسبك الجمل مع بعضها لكي تنطق بمقاصد المتكلم.
لقاءاتي بالمرحوم الدكتور عوض القوزي كانت عابرة، عن بعد شديد الصلة بالقرب، في بعض جلسات ومحاورات فكرية وثقافية مجدولة في لقاءات الأسبوع التي ينظمها الكريم ابن الكريم الأستاذ معن ابن حمد الجاسر نيابة عن أبيه الشيخ حمد، في مركز الشيخ حمد الجاسر تغمده الله بواسع رحمته.
كنت أنظر خلسة، مثلما يفعل كل الناس، إلى وجوه المستمعين، أسبر درجات انتباههم وأتفحص «عبورا» قسمات وجوههم وحركات رؤوسهم واشتباك أو انفضاض أصابعهم، محاولا الاستنتاج والتعرف على من هو المنتبه المشدود المتفاعل، ومن هو السابح في عالمه الخاص، أو مرتخي العنق في شبه إغفاءة فيكون الحاضر لحما وشحما، الغائب تركيزا وفهما عما يدور.
القلائل فقط من الحاضرين في تلك اللقاءات كانوا يلفتون انتباهي لهذا النوع من القياس والتقويم، ولكل فرد منهم بعض المزايا الخاصة به، لكن المرحوم الدكتور عوض كان يجمع أكبر مقدار من الإيجابيات الجاذبة بين الجميع.
مكونات النفس والتعامل مع سلبيات وإيجابيات الحياة، بمبهجاتها القليلة ومنغصاتها الكثيرة، والعمق الفكري المرتكز على اهتمام إنساني متعاطف، وإيمان الرضا بمقسوم الله بعد بذل المجهود الشخصي، كل ذلك يترك بصماته على قسمات الوجوه وومضات العيون وحركات الأيادي عند الناس. المتمعن الفطن يستطيع البناء على ذلك بتكوين انطباع مبدئي عن الإنسان الذي يهمه أن يتعرف عليه لاحقا أو يتركه وشأنه.
كنت أتأمل في الحاضرين فيلفت نظري في شخص عوض القوزي سماحات ثلاث، سماحة الملامح وسماحة الانتباه وسماحة الكلمة، مجتمعة في وجه وضاء ينم عن سماحة خلق تستبطن داخلها كل السماحات الأخرى.
في هذه الحياة يتعامل كل واحد مع أشخاص كثيرين، ينفر من بعضهم بالمطلق، وينجذب مع بعض الخصال في بعضهم متغاضيا عن خصال أخرى، ولكن القليل جدا هم الذين يمتلكون مجموع الخصائل المحببة إلى كل نفس تبحث عن القوم الكرام.
كان الدكتور عوض القوزي رحمه الله واحدا من هؤلاء بامتياز.